ماذا سيفعل “حزب الله” إذا سَقط نظام الأسد؟

ليس عاديّا ولا بسيطا إحراق صور الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله وتمزيقها في دير الزور. ولم يكن عاديا ولا يجوز أن يؤخذ في بساطة إعلانه قبل ايام انه يدعم نظام الرئيس بشار الاسد، في مقابل دعوة القوى اللبنانية الى عدم التدخّل في الشأن السوري: "نحن لا نتدخل عسكريا في سوريا او في اي بلد عربي آخر. واذا ذهبنا الى القتال في اي ساحة، فلدينا الشجاعة والجرأة لنقول إننا نقاتل ونقتل في هذه الساحة".

لكن "حزب الله" يخوض في لبنان معركة خفيّة، حينا وواضحة أحيانا، دفاعا عن النظام في سوريا، لأنه، للمرة الاولى في تاريخه، يتعرّض لامتحان جدّي يهدد مصيره.

معركة "حزب الله" دعما للرئيس الاسد بديهية، فـ "الصديق" عليه اليوم ان يكون الى جانب الصديق. وهو مهما فعل، فلن يستطيع ان يسدّد ما عليه. اذ لم يَكُن "حزب الله" ليولَد في العام 1983 وينمو ويحظى بالدعم السياسي في السلطة، واللوجستي في الجنوب، لولا وقوف قيادة الرئيس حافظ الاسد، ومن ثم بشار الاسد الى جانبه. ولما كانت المقاومة قد انحصرت في تنظيم واحد، يمتلك وحده السلاح ومشروعية الإمساك بأمن الجنوب، لولا اتخاذ سوريا موقفا حاسما، هو "تطهير" الارض من سلاح "الأحزاب الوطنية"، اليسارية إجمالا، والتي كانت في انطلاق المقاومة لإسرائيل. ويمكن مثلا، للدلالة على ذلك، استيضاح الكثير من الكوادر الحزبية في هذه الاحزاب، والتي جرت معها إشكالات في بعض القرى والبلدات الجنوبية، خلال الاحتفالات بتكريم شهدائها الذين سقطوا في عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.

بعض الذين يتواصلون مع مسؤولين في "حزب الله"، يؤكدون ان "الحزب" مصمّم على الدفاع عن النظام في سوريا، كدفاعه عن نفسه تماما. واحيانا يتحدثون عن سيناريو متشعب الوجوه، بهدف السيطرة على لبنان ومنع تعرّض سوريا لمزيد من الضغط من "الخاصرة اللبنانية الضعيفة". ويقولون ان الساعة الصفر لهذا السيناريو سوف يحددها مسار التطورات في الداخل السوري.

معارك سورية في لبنان

في أي حال، ان "حزب الله" لم يوقف يوما دفاعه عن الاسد، وهو عاهده على ذلك في يوم مبايعته على رأس السلطة في دمشق. وكل المعارك الدائرة اليوم في لبنان هي جزء من معركة الدفاع عن النظام من مأزق الحكومة التي يقول وليد جنبلاط إن سَببه عدم رغبة "حزب الله" في التأليف، الى أزمة "الداتا" في وزارة الاتصالات. وهذه الازمة ليست ازمة لبنانية في المطلق، بل هي ازمة سورية تتمظهر لبنانيا، لأنها تتعلق مباشرة بمسألة الأستونيين السبعة.

الأستونيون وفدوا الى لبنان عبر الحدود من سوريا، وتعرضوا للخطف فيما هم لا يزالون في النطاق الجغرافي الشديد التأثّر بسوريا. وفي المعلومات الأمنية انهم أعيدوا كمخطوفين الى الداخل السوري عبر الحدود، وان هذا الامر بات واضحا في اقنية امنية ودبلوماسية. وتوحي هذه المعطيات بأن الخطف قد يكون جزءا من ضغط، كان الهدف منه يومذاك توجيه رسائل معينة، وقد تجاوزتها الاحداث. واليوم يعيش هذا الملف مخاض النهاية، ورمي الورقة بعد احتراقها. وفي هذا المخاض ثمة من يريد كشف الحقائق قبل طمس معالمها، هذه هي قصة "الداتا" في وزارة الاتصالات، وفقا لبعض المطلعين على جوانب من الملف، و"حزب الله" تجنّب الانخراط في المواجهة مباشرة، تاركا المهمة لحليفه العماد ميشال عون. وثمّة من يحاول الايحاء بان الاعتداء الأخير على "اليونيفيل" جزء من لغة الرسائل السورية مع اوروبا.

العلاقة بين نظام الرئيس الاسد و"حزب الله" تختلف في طبيعتها عن أي علاقة بين الاسد وأي طرف لبناني آخر. انها ليست علاقة "تبعِية"، بل شراكة استراتيجية يدخل فيها العامل الايراني ايضا. ولذلك لا يكون دفاع "الحزب" عن النظام ممالقة او اضطرارا، كما هو الحال لدى العديد من القوى الدائرة في الفلك السوري، بل هو دفاع طَوعيّ، لأنّ هزيمة هذا المحور الاستراتيجي تكون شاملة، كما انّ الانتصار شامل ايضا.

الخيار العاقل

والسؤال المطروح، استطرادا، هو: كيف تكون صورة "الحزب" من دون قيادة الأسد لسوريا؟

والجواب ان الحزب سوف يكون امام خيارين لا ثالث لهما:

إمّا الدخول في مواجهة غير محدودة مع كل القوى التي يختلف معها على الساحة اللبنانية، في محاولة لفرض خياراته وتثبيت وجوده عن طريق القوة، تعويضا للخسارة.

وإمّا قراءة المعطيات الجيوسياسية الجديدة في دقة، والبدء في نهج جديد من التعاطي مع مختلف القوى القائمة في لبنان، تلك التي يتشارك معها اليوم الخط السياسي، وتلك التي يتصارع معها.

الامر يتعلق باللحظة السياسية او حتى الامنية والعسكرية التي ستفرض نفسها – اذا حلّت تلك اللحظة – لكنّ أصحاب الرأي والمطلعين على الطريقة التي يتصرف فيها "الحزب" إزاء استحقاقات مصيرية، يستبعدون تماما اي خيار تصادمي، ويتوقعون ان يذهب في اتجاه حواري مع مختلف القوى في الداخل.

لماذا؟

لأن "الحزب" لا يعتمد سلوكا متهورا في المراحل المصيرية، فهو يدرك انه في الخيار التصادمي، خصوصا بعد افتقاد الدعم السوري، سيضع الطوائف اللبنانية كلها في وجهه. المسيحيون جميعا، والسنّة والدروز ايضا، وحتى الشيعة أظهرت وثائق "ويكيليكس" انهم في غالبيتهم لا يؤيدون "الحزب"… على الأقل في الحجم الذي يظهرونه في العلن!

في "حزب الله" مخزون كاف من الحكمة يدفعه الى مزيد من "اللبننة"، وسيكون اكثر استعدادا للجلوس الى طاولة "الحالة اللبنانية، هو والسلاح واستراتيجية الدفاع. والجلوس الى هذه الطاولة يبقى مكسبا لبنانيا. وهو افضل من الجلوس الى طاولات القوى الخارجية التي يمكن ان تفرض إراداتها في اللحظات التاريخية الحاسمة، مستغلة تشرذم اللبنانيين.

حزب الله" حالة لبنانية في امتياز, وقوته الحقيقية تكمن في ذلك، لا في أي صفة اخرى، ولا في اي قوة اخرى. وهو سيختار الحفاظ على هذه القوة، ولن يفرّط بها في اللحظات الحاسمة

السابق
محمية شاطئ صور تستعيد خيمها الموسمية
التالي
قانون العنف الأسري: الأحزاب «تكتشف» المجتمع المدني!