محمد زعتر: بوعزيزي الجنوب… أم أنّه قتل ورمي في البئر؟

في أيار 2011 وقع محمد هاني زعتر في بئر عمقه 5 أمتار في بلدة مركبا الجنوبية، ربما انتحر.. وربما وقع.. لا نعرف، لكنّ الصدفة ليست مؤكدة.

نعود قليلا في الزمن، ففي النهاية نحن نعيش في زمن البوعزيزي، زمن الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في كانون الثاني 2011 بسبب عدم قدرته على العيش في ظل الغلاء الاقتصادي الفاحش والاحوال المعيشية الصعبة، وعدم اهتمام المعنيين بتأمين موارد العيش الاساسية لشباب اليوم. ومع وفاته بدأت الثورات كموجة، تجتاح العالم العربي، تسقط الانظمة، تنفي رؤساءها، تروي أرض الوطن بدماء الشباب بحثاً عن الحرية، والديمقراطية والحياة الكريمة.

لكن هنا في لبنان، وفي جنوبه، وعلى أعتاب ذكرى تحريره، لم تحرك وفاة محمد زعتر أحدا، وبقيت أمر الوفاة لغزاً لم يشعل حتى لهيباً في بلدته مركبا. ربما لأن واقع الجنوب يختلف كلياً عن واقع سيدي بوزيد؟ وربما لأن لا حكومة في لبنان ليعمل الشباب على اسقاطها؟ ولا وجود لدولة واحدة موحدة ليطلب الشباب بتغيير نظامها، بالتأكيد.

إلى ذلك، فإن ظروف بو عزيزي المعيشية ربما تقارب نسبياً ظروف زعتر، فكلاهما يملكان ذمة مالية خالية من أي أموال مادية قابلة للتداول، ما عدا تلك الملتصقة بشخصيهما، التي ورثاها عن والديهما، إذ لم يتمكن كلّ منهما من ايجاد وظيفة تشجعهما على حب الحياة، فلم يجدا منفذاً لحياتهما إلا "الموت".

وللغوص في الموضوع، لا بد من إدراج أساس الخبر في سياق النصّ. فقد تناقلت الوكالات اللبنانية حادثة الوفاة بالقول إنّ "زعتر مات غرقاً بعدما وجدت جثته في بئر قرب منزله في البلدة، وذلك بعدما افتقده اهله حوالى الساعة السادسة مساء، فبحثوا عنه في أماكن مختلفة في البلدة، ليعثروا أولاً على ثيابه قرب البئر، ثم يجدوه حوالى الساعة العاشرة مساءً جثّة هامدة تطفو على سطح مياه البئر، فحضرت القوى الأمنية وفتحت تحقيقاً في الحادث، ليتبيّن بحسب مسؤول أمني، أن الوفاة ناتجة عن الغرق، بعد تقرير مفصّل للطبيب الشرعي، وأن الشاب المتوفى كان معروفاً ببساطته ولا يخرج عادة من منزله، ومعروفاً عنه أنه انطوائي، ويبدو أنه خرج من منزله قاصداً السباحة في البئر، بعد أن خلع ثيابه، لكنه غرق من دون أن يعلم بوجوده أحد".

يذكر أنّ أحدا من ذوي الفقيد لم يتقدّم بدعوى قضائية على أحد، معتبرين أن ما حدث "قضاء وقدر". وأضافت الوكالات أن "البئر التي سقط فيها زعتر موجودة في منزل قيد الإنشاء، وهي مغطّاة بباب حديدي من دون قفل".

أحدهم أسرّ لـ"جنوبية" بأنّ محمد زعتر لم يغرق: "إنتحر"، وأردف هذا الذي يعرف خبايا المنطقة: "إنّه بوعزيزي الجنوب، لا تدعوا موته يذهب سدى". وهكذ بدأنا تحرّياتنا، فاتصلنا بمختار البلدة سميح حمود، الذي صرّح بأنّ "الطبيب الشرعي كشف على جثة زعتر وتبين أن الشاب نزل البئر بهدف السباحة، وغرق"، مضيفاً أن "زعتر بسيط العقل".

وتابع: "بصفتي مختار البلدة إنني أحاول معرفة ما إذا كان هناك أسباب أخرى، لكن حتى الآن لم أجد"، لافتاً إلى أن زعتر "أقدم من قبل على تكرار العمل، بأنه خلع ثيابه للسباحة في البئر لكن بعض الاهالي الذين رأوه، منعوه". وختم قائلاً: "أهله يقيمون معه أحسن العلاقات، وهو كان يساعد أخيه في العمل، لكن اللغز الذي يبقى قيد البحث: ما السبب الذي دفعه الى السباحة الساعة الثامنة ليلاً؟".

كذلك، هاتفنا جهاد حمود، أحد وجوه مركبا، الذي أجاب مسارعاً: "لا تعليق، دقي لأهله واسأليهم". وفي السياق نفسه قال أحد وجهاء القرية، أسعد منذر إنّ "هذا الشاب وقع في خزان مياه، فقط لا أكثر"، مكرراً أكثر من مرة: "هذا هو الامر. ما في شي، ما في شي".

كذلك، اتصلنا بالحاج أحمد ترمس، من بلدة طلوسة المجاورة، كونها البلدة التي تتحدر منها والدة محمد، لا سيما أن أهالٍ في مركبا تداولوا أن في البلدة الاولى أشخاصاً أصدروا بياناً مفاده أن زعتر توفي انتحاراً، وعن هذا الموضوع قال ترمس: "نحن لم نصدر أي بيان، وأسباب الوفاة غير واضحة"، لافتاً إلى أن زعتر "من الممكن أن يكون من هواة السباحة، وذهب ليمارس هوايته".

وختم ترمس كلامه متسائلاً: "من وجد الشاب لاحظ وجود آثار ضرب على رأسه بآلة حديدية، لكن الاسباب لم تعرف بعد".

هكذا رمى لنا ترمس خيطينا نتعلق بهما: الأول هو أنّ زعتر "قد يكون من هواة السباحة"، وهذه مزحة طريفة. فأيّ هاوي سباحة يسبح في الآبار، وليلا؟! والخيط الثاني هو "آثار ضرب على رأسه بآلة حديدية"، فهل قتل، أم ضرب رأسه وقفز؟

أحد جيران زعتر أكد لنا أن "محمد لم يتوفّ غرقاً، بل قتل بضربة على رأسه، ورمي في البئر، بعدما تمّاغتصابه من قبل مجهولين، ووالداه فقيران أهابهم التحقيق في الموضوع، لذلك لم يعمدوا إلى اتهام أحد".

إلى ذلك، هاتفنا أيضاً مختار البلدة الآخر محسن زراقط الذي قال إنّ "التحقيق لم يظهر أي شيء جديد، فالشاب عاد إلى منزله من عمله، وبعد وقت قصير غادره، وعند الساعة الثامنة ليلاً افتقده أهله، ليجد والده ثياب ابنه في ورشة عمل قريبة من المنزل، ليتبين لاحقاً أن الشاب موجود في البئر"، وتابع: "حتى الآن لم تعرف الاسباب والدوافع". وختم "نحن ننتظر التحقيق لكشف الاسباب، وكل ما يصدر هو في موضع التحليل، إذ لا أحد يعلم حقيقة الحادث".

وأخيراً كان لا بد من التكلم مع أحد المقربين من عائلة زعتر، فاتصلنا بأخ الشاب أمين زعتر لأكثر من مرة، لكن ربما أعلمه أحد بأرقامنا التي سنتصل منها (حصلنا على رقم هاتفه من أحد مخاتير البلدة)، فلم يجب طوال ثلاثة أيام، ما طرح علامات استفهام كثيرة.

فهل هناك قطبة مخفية وسر عميق أدى إلى وفاة محمد؟ وهل أراد أخاه التكتم على الموضوع خوفاً من أحد؟

وهل يمكن أن يكون زعتر "بو عزيزي الجنوب" في ظل اهمال المعنيين لشباب الجنوب؟ أو ضحية "شذوذ" يهدّد شباب الجنوب في ظل الجهل وعدم التوعية واللامبالاة التي تزداد يوماً بعد يوم، في حين أن المسائل السياسية والحزبية تأكل "الاخضر واليابس" في هذه الرقعة الجغرافية دون الاكتراث بتأمين الحد المعيشي الأدنى لشباب المستقبل؟

تضاربت الاسباب والنتيجة واحدة: سبب وفاة محمد عن عمر يناهز 18 عاماً في بئر سيبقى لغزاً قيد البحث…

السابق
الراي: انفجرت بين نحاس وريفي … فـ “انسحب” بارود
التالي
الحياة: دخول الوزير مبنى تابعاً للاتصالات تحرسه قوى الأمن