فيلتمان وشيباني يسلّمان بطول الأزمة الحكومية

تزامن زيارتي جيفري فيلتمان ومحمد رضا شيباني الى بيروت لا يعني أبداً تقاطعهما على أكثر من الاهتمام بلبنان وأزمته الحكومية من موقع الاختلاف والتضاد الحاد. الطريف في هذه "المصادفة في توقيتها" أن المسؤولين الأميركي والإيراني تجمعهما نقطة مشتركة مهمة وهي: معرفتهما العميقة والواسعة لجميع المستويات وكل مفاصل الحالة اللبنانية، لأنهما عملا طويلاً سفيرين لبلديهما، وكان كل واحد منهما نشيطاً جداً، واسع العلاقات والاتصالات.

فيلتمان جاء مستطلعاً ومذكراً في الوقت نفسه "بثوابت" سياسة بلاده بعيداً عن الغياب القاسي للبنان في خطاب الرئيس باراك أوباما في وزارة الخارجية، أيضاً العمل مباشرة على تفاصيل الأزمة الحكومية التي لا شك أن لواشنطن موقفاً فيها. ذلك أن الإدارة الأميركية لم تتحمل "الانقلاب الدستوري" الذي وقع بقيادة "حزب الله" ضد قوى 14 آذار والرئيس سعد الحريري، فكيف إذا ما جرى تنفيذ مفاعيل هذا "الانقلاب" وانعكس مباشرة على موقع لبنان من تشكل المسارات الجديدة على طول خريطة الشرق الأوسط؟.

محمد رضا شيباني جاء الى بيروت انطلاقاً من خصوصية علاقة بلاده مع "حزب الله" "الابن الشرعي والوحيد" للثورة فيها. طهران تعرف جيداً مدى انعكاس الأزمة في سوريا على لبنان وارتداداتها الحالية والمستقبلية على "حزب الله". طهران تدرك معنى أن تنكشف "الخاصرة الرخوة" للحزب، مع استمرار الأزمة في دمشق؛ وانشغال دمشق بهمومها الداخلية يعوق حركتها باتجاه الخارج.

"حزب الله" الذي كان قد أمسك الإدارة السياسية للملف اللبناني بعد خروج سوريا من لبنان عام 2005، كان يستعد نتيجة التطورات لتسليم هذه الإدارة لسوريا بناء على طلب صريح منها. لذلك كله تستمر "حالة الإرباك" لدى الحزب. شيباني جاء أيضاً ليستطلع من خلال جولته الواسعة على المسؤولين وقيادات 8 آذار وعلى رأسها السيد حسن نصرالله، ماذا يمكن لطهران تقديمه لحلحلة الوضع في ظل "الغياب السوري" الاضطراري.

من الطبيعي جداً أيضاً أن بعض من التقوا المسؤول الإيراني المؤثر في وزارة الخارجية، حاولوا الاطلاع منه على حقيقة الأوضاع في إيران بعد أن أصبحت المواجهة بين المرشد آية الله علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد علنية. والذين استطلعوه يعرفون جيداً أن هذه "المواجهة" تحرج "حزب الله" على الصعيدين السياسي والالتزام الفكري والايديولوجي، لأنه ليس من السهل على الحزب بكامل مكوناته حسم خياراته بين "ولاية الفقيه" و"المهدوية" التي يرى أصحابها وفي طليعتهم أحمدي نجاد أن كل ما يجري مقدمة لعودة الإمام المهدي، والتي تعني نهاية الجمهورية و"ولاية الفقيه" ولو من باب "إشاعة العدل". في النهاية إذا وقع الصدام فإن "الحزب" مضطر للاختيار مهما كان الأمر صعباً عليه. والمتوقع أن اختياراته لا بد أن تخرج من الواقع ومعادلاته السياسية والأمنية والاقتصادية مهما كان الإحراج له حقيقياً وكبيراً.

تطورات المواجهة بين "المرشد" وباقي مكونات المحافظين من جهة وأحمدي نجاد من جهة أخرى تؤشر الى أن ساعة الحقيقة تقترب، وهي إما أن نجاد يملك "ورقة" مستورة أمام الجميع إلا القيادة، تحول دون إسقاطه وإبعاده عن الرئاسة مهما احتدمت الأمور، وإما أن "المرشد" يعمل على تأجيل الحسم لأسباب تتعلق بتشكل القوى، خصوصاً وأن معركة رئاسية وتشريعية حالياً ستربك الجميع.

لكن إذا ما رأت القيادة والقوى المحافظة، أن رياح "عاصفة الربيع" العربية قد أخذت تهب باتجاه إيران تحت أي صورة من الصور فإن الحل سيكون في إجراء انتخابات مبكرة تشريعية ورئاسية بعد إسقاط أحمدي نجاد، وهو الحل الأمثل لإشغال "الشارع" الإيراني وكل القوى السياسية بهذا الاستحقاق، مما يزيح همّ المواجهة في الشارع عن كاهلها، خصوصاً أن "الخضر" وباقي مكونات المعارضة اكتسبوا خبرات واسعة من الانتفاضة السابقة التي أعقبت "انتخاب" أحمدي نجاد الى جانب "ثمار" تجارب ونتائج "الربيع" العربي التي لا بد أنهم درسوها بعمق.

تسريب اتصال المرشد خامنئي "بصديقه اللدود" هاشمي رفسنجاني الذي أبعد عن "مجلس الخبراء" بقرار حاسم ومؤكد منه، حتى لا يصبح "خليفة" له بحكم الواقع، محاولة جدية لإعادة رسم خريطة التحالفات أمام الاستحقاق الانتخابي. ذلك أن رفسنجاني "قلعة" النظام "وثعلب" السياسة فيها، ما زال قادراً على لعب دور مهم في صياغة التوازنات، فانحيازه الى أي "معسكر" له وزنه المعنوي المؤثر على توازن القوى.

توجيه قائد "الباسيج" العميد محمد رضا نقدي المعروف بالتزامه الكامل بـ"الولي الفقيه" وشراسته وقساوته التي تجسدت خلال قمع "الانتفاضة الخضراء"، للرئيس أحمدي نجاد تهمة "الانتماء" الى منظمة "مجاهدي خلق" الذين يطلق عليهم في إيران "المنافقون" يرقى الى درجة "الخيانة". لذلك من الصعب جداً "بلع" هذا الاتهام، لأنه يضع أحمدي نجاد أمام "خطر المحاكمة" وليس فقط الاستقالة. كيفية رد أحمدي نجاد على هذا الاتهام من جهة وما إذا كان سيبقى "يتيماً" أم ستتبعه إجراءات إضافية من جهة أخرى ستؤشر الى مسار الأزمة.

لا شك أن الأيام القادمة ستكون أكثر صعوبة على "حزب الله" إذ ليس سهلاً تحمل الضغط على "ميمنته" "وميسرته" في وقت واحد. كل هذا لا يصب في عملية تسريع تشكيل الحكومة لأنه بعد التشكيل ستبدأ مشاكل "حزب الله" فعلياً، وأبرز ما سيواجهه كيف سيفرض على الحكومة المشكّلة بياناً وزارياً ملتزماً بمطالبه، خصوصاً ما يتعلق منها بالمحكمة الدولية، وفي الوقت نفسه عدم الدخول في "كباش" مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي لديه حسابات إقليمية ودولية أكثر من المحلية.

السابق
الاخبار: المقاوم العربي… موقوف بشبهة التجسّس
التالي
سوريا وحلفاء الرئيس!