سورية بين الغرب والمجزرة

لا احد يستطيع ان يتكهن بما ستؤول اليه الاوضاع في سورية اليوم، ففي ظل الاحتجاجات المستمرة يبدو المشهد السوري مفتوح على مزيد من هذه الاحتجاجات التي بدا النظام الحاكم عاجزا عن معالجتها حتى الان، ومستمرا في مواجهتها بالقبضة الامنية التي لا تنفك تتنقل بين مدينة وبلدة، وبين منطقة واخرى في سباق متبادل لا ينتهي مع المحتجين، من جمعة الى جمعة… ومن دون ان يبادر الرئيس بشار الاسد نحو خطوة سياسية اصلاحية جدية، قادرة على تلبية مطالب المحتجين المشروعة للمحتجين.
وفي هذا السياق ينقل مسؤول عراقي بارز (زار بيروت بشكل غير رسمي قبل ايام) عن الرئيس بشار الاسد، ان الاخير قلق من محاولات اثارة النزعة الطائفية في سورية، لا سيما من فئات تدرك حجم التقديمات التي اتاحها النظام لها". ويشير هذا

المسؤول الى ان ما يجري في سورية ساهم في احداث تغييرات لدى قوى عراقية على صعيد الموقف من "النظام"، وهو اذ يلفت الى ان رئيس الحكومة نور المالكي تجاوز انتقاداته ومشكلاته مع النظام السوري في ظل الازمة داخل سورية، قال ان الكثير من الذين تعاونوا مع النظام السوري في العراق ولعبوا دورا سلبيا في توتير الاوضاع الامنية في بلاد الرافدين، يقفون اليوم ضد النظام السوري ويتحينون فرص سقوطه ويدعمون المحتجين فيه. لكن المسؤول العراقي يشدد على ان حكومة بغداد المتمسكة برفض التدخل في الشؤون لسورية، تعمل على منعه، لادراكها ان مثل هذه التدخلات لن يكون العراق بمنأى عن تداعياتها.

الاسئلة التي تحيط بالمشهد السوري لن يجيب عليها -على ما يبدو- غير مسار المواجهات الداخلية، في وقت بدأت الدول الغربية تقوم بخطوات ضد القيادة السورية الامنية والسياسية، كلما زادت وتيرة العنف والقتل وسقوط الضحايا في انحاء البلاد. وفي لقاء مع الناطق باسم الحكومة البريطانية مارتين داي خلال زيارته بيروت قبل يومين، اكد ان القيادة السورية اظهرت عدم الرغبة الجدية في مقاربة الاحتجاجات التي تواجهها بخطوات سياسية تدفع البلاد نحو مزيد من الديمقراطية واطلاق الحياة السياسية في ظل مناخ آمن وحر. ورجح داي، ان النظام في سورية "فقد الفرصة على ما يبدو للقيام بالخطوات المطلوبة داخليا، وهو يتجه الى مزيد من استخدام القبضة الامنية، مع ان المبادرة كانت في يده في الاسابيع الاولى وكان لديه حينها فرصة تاريخية ليقوم بخطوات تاريخية كي يستمر بشروط داخلية جديدة لكنه فقدها اليوم".

مسلسل العقوبات لن يتوقف وسيتصاعد في المرحلة المقبلة وعلى ايقاع القبضة الامنية وانتهاكات حقوق الانسان، يقول داي الذي يضيف ان الدول الاوروبية والمجتمع الدولي عموما لن تتهاون حيال اي خطوة تتسم بالقمع او قتل المدنيين، مشيرا الى ان "الموقف الروسي في مجلس الامن، كما الموقفين الصيني واللبناني هي ما يحول دون استصدار قرارات من مجلس الامن ضد عمليات القمع التي تشهدها سورية. وفي حين ابدى تفهمه للموقف اللبناني، اشار الى ان الموقف الروسي يبقى العقبة الاساسية في هذا المجال لكنها لن تستمر.

واذا كان الموقف البريطاني يظهر تشددا حيال النظام السوري، من زاوية اقتناع الحكومة البريطانية بفوات فرصة النظام بانجاز الاصلاح، بل حتى عجزه عن القيام بهذه الخطوة، فانه تتخطى الموقف الاميركي الذي عبر عنه الرئيس باراك اوباما عندما خيًر الرئيس السوري بين الاصلاح او المغادرة. وهو اتجاه وان عكس تمايزا بين الدولتين، الا انه ينحو باتجاه تبني خيارات التغيير وحماية الداعين اليه. وبذلك يبدو النظام السوري ازاء ما يشهده من كسر لحاجز الخوف وتصاعد وتيرة التحدي من الداخل، يبدو فاقدا أي غطاء دولي يتيح له الذهاب بعيدا في اطلاق قبضته الامنية على شاكلة قبضة حماه ومجزرتها قبل نحو ثلاثين عاما.

ليس من المغالاة القول ان النظام العربي عموما يخاف من الغرب قبل ارتكاب اي مجزرة بحق شعبه، واذا ضمن ان هذا الغرب سيغض بصره عن ارتكابها فلن يثنيه عن ذلك شيىء والشواهد كثيرة في هذا المجال. بعدما اوصلت السلطات العربية الممانعة والمعتدلة مجتمعاتها اليوم ومنذ سنين الى واقع سريالي عبر عنه الشاعر ادونيس قبل اسابيع بهذه العبارة:

"وأُوبَامَاه! وا سَرْكُوزَاه! هل تشعر هذه السلطة، بهذه الإهانة الضخمة؟ بهذا الخزي؟ بهذا الخزي؟ بهذا الازدراء الهائل". ماذا لو لم يتدخل مجلس الامن في ليبيا؟ لنا ان نتخيل ماذا كان حلّ ببنغازي وابنائها. وامام بيانات رفض التدخل الغربي ماذا قدمت الجامعة العربية؟ ماذا قدم القوميون والاسلاميون واليساريون وسواهم لحماية حق الشعوب بالتغيير دون ان تتعرض للقتل اوما يوازي الابادة؟

السابق
رحمة:عون أول من وافق على سليمان
التالي
حميد: الجيش والمقاومة والشعب الضمانة الوحيدة لحماية الارض والوطن