هل يرمّم “حزب الله” ودماء 15 أيار ما انكسر بين «حماس» ودمشق؟

منذ العام 1998 وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» تستظل بفيء سوري يقيها الوقوف عارية تحت شمس الدول العربية «المعتدلة» التي حسمت أمرها، ببيع القضية الفلسطينية في سوق المزاد الأميركي ـ الاسرائيلي.
مرت 13 سنة والحركة بكل أجنحتها السياسية والأمنية والعسكرية تحظى بدلال شح نظيره من قبل النظام السوري، الذي تعامل معها كضيف عزيز في ربوع الشام، وتعامل مع رئيسها خالد مشعل، كرئيس دولة طيلة الفترة السابقة.
خلال كل تلك السنوات، لم يخضع الرباعي المتمثل بسوريا وإيران و«حزب الله» و«حماس» لتجربة كالتي يعيشها هذا المحور اليوم. أضلعه الأربعة كانت دائماً متينة وقادرة على مواجهة كل العواصف التي واجهته من قبل أميركا وحلفائها الإسرائيليين والعرب على السواء. ظل التماسك عنوان هذا المحور وظلت العلاقة بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية عصية على الاختراق رغم كل العواصف المذهبية التي عاشتها المنطقة ولا تزال، باحتضان كامل من الراعيين السوري والإيراني.

الأحداث في سوريا وضعت هذا المحور أمام الاختبار الجدي الأول. صارت «حماس» أمام واقع جديد لم تعتده من قبل، وإن توقعته، حتى أنه يقال إنها أعلمت السلطة السورية بأن الرياح المصرية لن تقف على حدود محور الممانعة، بل ستدخلها، وبالتالي يجب الاستعداد لها، عبر إصلاحات استباقية.

النصيحة لم تكن «حمساوية» فحسب، بل تشارك فيها «حزب الله» وايران إضافة إلى تركيا. وقيل حينها إن الرئيس بشار الأسد اقتنع بها انطلاقاً من كونها تقع في صميم الخيارات التي اتخذها منذ لحظة توليه السلطة ولم يستطع السير بها لأسباب عدة، داخلية وخارجية… ولا سيما منها مرحلة الضغط الدولي على سوريا بعد احتلال العراق.

الاحتجاجات الشعبية سبقت أي إصلاح وما كان يُتوقع وصوله بعد حين وصل قبل أوانه. تجمدت كل خطط النظام. وصارت الأولوية لضبط الشارع ومن بعده لكل حادث حديث، إذ ان القرار كان واضحاً: لا تنازلات تحت الضغط وماذا يضمن اذا قدم تنازل أن يكون مطلوبا تنازلات أخرى وهلمجرا..

هنا أحست «حماس» بالضغوط تزداد عليها من قبل طرفي النزاع، وإن بشكل غير مباشر. وجدت نفسها مؤيدة لهما معاً. لم تشأ المغامرة بتحالفها الاستراتيجي مع سوريا، بوصفها خط الدفاع الأخير عن القضية الفلسطينية، والتي احتضنتها، رغماً عن كل الضغوطات الدولية والعربية. كذلك لم تشأ الحركة أن ترمي عن ظهرها التزاماتها وجذورها «الإخوانية» التي تفرض عليها ان تتماهى ولو بالحد الأدنى مع الشارع المتحرك في سوريا والذي تقف في صلبه حركة «الإخوان المسلمين». كما أن كونها حركة تحرر جعلها في خانة لا تمكنها إلا أن تكون، بالحد الأدنى، متفهمة لحركة الشعب السوري ومطالبه، خاصة بعدما رشحت أخبار، في بداية الأحداث، عن ممارسات أمنية سيئة تعرض لها المتظاهرون في درعا، قبل أن تطفو نظرية المؤامرة على السطح… ويكون «الفلسطيني» (اللاجئ في سوريا) أولى ضحاياها…

الخيار الإصلاحي الجدي كان أفضل الحلول التي تتمناها الحركة بما يعفيها من إحراجها الذي بدأ يأخذ أشكالاً أكثر جدية، وأثر بشكل أو بآخر على علاقتها بالقيادة السورية، وإن بحدود يمكن تحملها.
عندما أعلن أن الرئيس بشار الأسد سيكون له خطاب أمام مجلس الشعب، أحست الحركة أن الفرج بات قريبا وأن الأسد سيعلن رزمة الإصلاحات الموعودة. كما ستزيح عن الحركة كل الحمل المستجد عن كاهلها، بما يسمح لها بمساعدة السلطة في تهدئة الشارع المتحرك، الذي لا يختلف اثنان على احترامه التام لـ«حماس»، أولاً لكونها حركة مقاومة وثانياً لكونها حركة سنية.

كان الخطاب مفاجئاً لحركة «حماس»، والإصلاحات الموعودة طارت «حتى يهدأ الشارع» لا العكس، فالسلطة السورية لا ترضخ للضغوط، أو هكذا بدا.

هنا انقلب السحر على «حماس»، وبدلاً من أن يكون الخطاب مناسبة لخروجها من ارتباكها الذي بدأ يأخذ منحى أكثر علانية، عادت الأمور إلى نقطة الصفر.
حان وقت الاختبار الذي أرادت الحركة إبعاد كأسه قدر الإمكان. صار لزاماً عليها إصدار موقف حول الأحداث السورية. موقف يؤكد على دعم السلطة السورية الحليفة في خيار المقاومة، على أمل أن يساهم في تخفيف وطأة الشارع. ولم ينفع الحركة سجلها النظيف والخالي من التدخل في أي من الثورات العربية وتحديداً الثورة المصرية على الرغم من موقف حسني مبارك وفريقه من «حماس».

ويروى أن البيان الذي أصدرته «حماس» في 2 نيسان كان أحد أدق البيانات التي كتبتها منذ سنوات طويلة. أرادت الحركة من خلاله تلبية مطلب السلطة السورية التي تكن لها كل احترام، من دون أن تتواجه مع مبادئها. خرجت ببيان مقتضب مشت فيه بين الألغام، وأبدت فيه امتنانها «لسوريا قيادة وشعباً لوقوفها مع مقاومة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، واحتضان مقاومته وخاصة «حماس»».

كما جاء في البيان أن «ما يجري في الشأن الداخلي يخص الإخوة في سوريا، إلا أننا في حركة «حماس»، وانطلاقاً من مبادئنا التي تحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها، فإننا نأمل بتجاوز الظرف الراهن بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سوريا وتماسكها الداخلي ويعزز دورها في صف المواجهة والممانعة».

زبدة الكلام أن الحركة تؤكد وقوفها «إلى جانب سوريا الشقيقة قيادة وشعباً».
بعد هذا البيان، لم تستطع الحركة تنفس الصعداء كثيراً، وصلتها الأصداء من القيادة السورية سريعاً. تردد أن القيادة منزعجة من البيان الذي يوازي بين السلطة و«المخلين بالأمن». في المقابل، لم يكن حال قاعدتها الجماهيرية أفضل حالاً. امتلأت المنتديات الاسلامية على شبكة الانترنت بكيل من الشتائم بحق الحركة، معتبرين أنها تقاعست كحركة إسلامية عن تلبية نداء «الثورة السورية» وباعت نفسها للنظام.

الوقوف في الوسط لم يشفع لـ«حماس». ومنذ ذلك التاريخ، يحكى أن العلاقة بين الحركة والنظام ليست بأفضل حالاتها. ورغم ان الاتصال لم ينقطع بين رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل وأركان النظام السوري، ولا سيما منهم نائب الرئيس فاروق الشرع الذي التقاه منذ يومين، إلا أن الاتصال مع الرئيس الأسد يبدو شبه مقطوع في الآونة الأخيرة.

من يعرف طبيعة العلاقة التي تجمع رباعي المقاومة، ليس من الصعب عليه أن يؤكد ان «حزب الله» وربما السيد حسن نصر الله شخصياً قد دخل على خط تهدئة الأوضاع بين الحركة والقيادة السورية، لا سيما أن الحزب يرى في «حماس» سنداً معنوياً قل نظيره في زمن الفتن الطائفية والمذهبية، وعليه فهو قد يكون متفهماً لموقف الحركة من الأحداث السورية، وفي الوقت نفسه يعرف تماماً الدور الذي ينتظره النظام السوري منها.

بعد شهر من خطاب بشار الأسد، أي في 30 نيسان، عاد الأمل يتسلل إلى مسؤولي «حماس»، والدور الذي يمكن للحركة لعبه صار مبرراً. لقد أعلن رئيس الوزراء السوري عادل سفر أن الحكومة تعكف على وضع خطة كاملة للإصلاحات المنشودة في مختلف القطاعات، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وقضائياً. عندها أعادت الحركة تحريك رسالتها القديمة، معلنة عن جهوزيتها للنزول إلى الشارع كوسيط، لكن الأحدات المتسارعة لم تعط هذا الدور أي فرصة جدية للنجاح أو محاولة النجاح.
في 15 أيار، جمعت ذكرى النكبة ما فرقته الظروف. نزل «الحمساويون» بالآلاف في مارون الراس والجولان. ومع افتراض أن سوريا كانت المستفيد الأول مما حصل، فهذا يعني، بحسب المتابعين، أن «حماس» لا تزال على عهدها مع النظام السوري. ويضيف هؤلاء: الدماء التي سالت على حدود فلسطين ربما تكون قد ذكّرت الطرفين بأن القضية واحدة وان العلاقة بينهما محكومة بالوصول إلى بر الأمان

السابق
لماذا غاب لبنان عن خطاب أوباما؟
التالي
الاخبار: فيلتمان نعى حقّ العودة وحدّد وظيفة الحكومة