السياسة : مخاوف من إشعال النظام السوري حرباً مثلثة انطلاقاً من لبنان

نقل مصدر ديبلوماسي عربي في بيروت عن مسؤول أوروبي رفيع تخوفه من اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط انطلاقاً من لبنان, مؤكداً أن دول الاتحاد الأوروبي أجرت مشاورات بعيداً عن الأضواء للبحث في احتمالات نشوب نزاع عسكري قد يشمل دولاً عدة في الأشهر القليلة المقبلة.

وخلص الأوروبيون إلى أن هذا الاحتمال وارد لأسباب تتعلق بالتطورات الداخلية السورية خصوصاً والتغييرات السياسية في المنطقة العربية عموماً.
وكشف المصدر بعض وقائع مداولات المسؤولين الأوروبيين الذين يعتقدون أن نظام بشار الأسد الخارج من محنة قاسية بعد تهاوي مشروعيته الشعبية في الداخل, وشرعيته الدولية في الخارج, سيبحث في وقت قريب عن وسيلة لتعويم نفسه كزعيم في محور "قوى الممانعة", وقد سارع إلى استغلال ذكرى النكبة ليسمح لمتظاهرين فلسطينيين بالوصول إلى الجولان المحتل بعد عقود من المنع, ليثيروا مشكلة مع إسرائيل, ويهددون استقرارها, تماماً كما وعد قريبه رامي مخلوف في حديث صحافي قبل أيام.

ويعتبر المسؤولون الأوروبيون أن هذا الإجراء غير كاف وقد يبحث الأسد عن ذرائع أخرى لإشعال حرب محدودة, ولعل السيناريو الأفضل يكون بافتعال حادث ما على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية, يكون مبرراً لإشعال حرب بين "حزب الله" وإسرائيل, ويتدخل فيها النظام السوري بشكل ما, من دون أن يتحمل أمام الرأي العام الدولي مسؤولية إشعالها.

أضاف المصدر: ثمة قناعة لدى الأوروبيين الذين خبروا الرئيس الأسد أن الأخير يعاني من مشكلة المشروعية القومية والوطنية منذ أن تولى الحكم خلفاً لوالده, فالرئيس حافظ الأسد اكتسب هذه المشروعية بفعل حرب أكتوبر ,1973 وصور نفسه محرراً للأرض العربية إلى جانب مصر, وبقي في سدة الحكم عقوداً طويلة على الرغم من أنه جاء بانقلاب عسكري.

وفي العام 1982 عندما شنت إسرائيل حرباً شاملة على الوجود الفلسطيني في لبنان واحتلت عاصمته بيروت, لعب حافظ الأسد لعبة ذكية فأرسل طائراته الحربية البالية لمواجهة الهجوم الجوي الإسرائيلي وهو يعلم أنها لن تستطيع مجاراة الطائرات الإسرائيلية المتطورة, وخسر المعركة إلا أنه أقنع العرب والعالم أنه حاول حماية الفلسطينيين ولم يستطع.

وتابع: بعد ذلك دشن الأسد مرحلة اللعب بالأوراق اللبنانية والفلسطينية, واشتعلت الكثير من الحروب مع إسرائيل, على الأرض اللبنانية خصوصاً, واستطاع استثمارها لتعزيز رصيده "القومي" كنظام ممانع, وورث بشار الأسد عنه هذه السياسة, وابرز الأمثلة كانت في حرب يوليو ,2006 التي استثمرها إلى ابعد حد.

أضاف المصدر: أثبتت أحداث الثورة السورية التي يوشك الأسد على إخمادها بالقوة العسكرية, أن كل الدعاية "القومجية" للنظام السوري لم تعد تكفي, وان شعارات الممانعة والمقاومة والتصدي والصمود لم تعد تنطلي على الشعب السوري المحروم من حريته وكرامته ولقمة عيشه. وهذا الشعب المعروف عنه انتماؤه القومي وإخلاصه الوطني, يحتاج أكثر من شعارات ديماغوجية وأقوال, لكي يعض على جرحه ويغفر للنظام ارتكاباته. وسيضطر الأسد هذه المرة إلى الفعل وزج جيشه في النزاع مع إسرائيل.

وقال: يظن الأسد أن إشعال حرب في الشرق الأوسط يشارك فيها إلى جانب "حزب الله" وحركة "حماس", سيعيد خلط الأوراق, ويعيده لاعباً أساسياً بعد أن تهشمت صورته العربية والدولية, وهو يأمل أن يتمكن من إعادة الإمساك بالملف اللبناني إذا استطاع حليفه "حزب الله" من تحقيق النتيجة نفسها لحرب ,2006 وسيعطي القوى الفلسطينية الخارجة عن منظمة التحرير الفلسطينية الأرجحية, وسيعيد تلميع الدور الإيراني المتراجع في الآونة الأخير.
وأشار المصدر إلى أنه رغم انشغال الأسد في الأسابيع الأخيرة بالوضع الداخلي إلا أنه لم يغفل التحرك الأميركي نحو الشرق الأوسط, حيث من المتوقع أن يزور الرئيس باراك أوباما المنطقة ويقترح خطة جديدة للسلام, وقد تحركت الدوائر الديبلوماسية السورية بحيوية لاستشفاف معالم هذا المشروع ودور دمشق فيه.

ووفقاً للمعطيات المتوافرة, فإن لا إمكانية لتحريك المسار السوري الإسرائيلي, الأمر الذي يجعل الحرب أمراً محتوماً لإعادة الاعتبار لموقع دمشق في عملية السلام الأميركية, تماماً كما فعلت سورية ومصر في حرب 1973 التي أطلقت عملية التسوية.

أضاف: الحسابات السورية دقيقة عندما يتعلق بالحرب, لأن زج الجيش السوري في نزاع غير مضمون النتائج عسكرياً قد ينعكس سلباً على النظام, ولكن الأوروبيين يعتقدون أن الأسد ليس بحاجة لكل جيشه لمواجهة اضطرابات داخلية قد تلي الحرب, في حال خسرها, وهو في كل الأحوال لن يربحها, ويستطيع الصمود لا أكثر. فالقوات العسكرية المخصصة للقمع الداخلي, وخصوصاً فرقة الدهم الرابعة بقيادة ماهر الأسد, وعديدها يصل إلى عشرين ألفاً, لن تشارك في الحرب. ويراهن الأسد على تكرار تجربتي 2006 في لبنان و2008 في غزة حيث عجزت الآلة العسكرية الإسرائيلية عن تحقيق أهدافها بسبب الطبيعة الدفاعية لقتال "حزب الله" وحركة "حماس", وخصوصاً بسبب التدخلات الدولية التي منعت امتداد الحربين زمنياً.

أما على المستوى السياسي فيراهن الأسد على أن التغيير في مصر من جهة, والإحراج الذي ستواجهه دول الخليج التي ستضطر إلى دعمه خلال الحرب, سيصبان في خدمة أهدافه, ويعتقد أنه يستطيع الخروج من هذه المعركة سالماً, ليعود بقوة إلى طاولة المفاوضات مطمئناً إلى وضعه الداخلي, وممسكاً بيده, عن جديد, ورقتي لبنان وفلسطين.

السابق
نرفض ضم الأردن والمغرب للخلي
التالي
الراي: سورية تضع تيار الحريري في “قفص الاتهام” بأحداث تلكلخ