القمة الإسلامية – المسيحية مدعوة لاتخاذ موقف

ليس هي المرة الاولى التي تعقد في بكركي قمة روحية اسلامية – مسيحية يصدر عنها بيان تتناول فيه قضايا الساعة ويكون لها موقف منها اذا صار اتفاق او لاموقف اذا تعذر ذلك، علما ان مجرد انعقاد القمة سيترك آثارا معنوية في كل الاوساط داخليا وخارجيا.

والسؤال المطروح هو: هل سيكون للقمة التي تعقد اليوم في بكركي مواقف صريحة وواضحة مما يواجهه لبنان ولا سيما الازمة الوزارية التي استعصى على السياسيين حلها وبات لاستمرارها تداعيات اقتصادية وربما امنية؟
لقد واجهت القمة الروحية الاسلامية – المسيحية في الماضي خلافا حول الوجود العسكري السوري في لبنان، فحال ذلك دون اتخاذ موقف موحد من هذا الوجود. وكان خلاف قبل ذلك حول الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وهي مواضيع حاذرت تلك القمم الاقتراب منها حرصا على وحدة الصف التي لا تتحقق اذا لم تتحقق وحدة الهدف.

واليوم يقوم خلاف على سلاح المقاومة، وهو موضع تحاذر القمة الاقتراب منه لأنه يعني السياسيين في لبنان الذين لم يتوصلوا بعد الى حل له بسبب اختلاف الغايات والاهداف، مع ان استمرار الخلاف في شأنه يحول دون التوصل الى إقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي اللبنانية بحيث لا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. يبقى الموضوع المهم الذي ينبغي ان تتصدى له القمة الروحية الاسلامية – المسيحية بغير الكلام العادي ولا حتى بالنصح، هو موضوع تشكيل الحكومة لانه لا يعني اهل السياسة وحدهم بل يعني جميع اللبنانيين، مدنيين ودينيين وعسكريين واقتصاديين. فاستمرار ازمة التأليف يصيبهم بضرر جسيم، كما يصيب مقومات الدولة واسس الكيان، لذا لا يكفي تكرار الدعوة الى وجوب الاسراع في تشكيل الحكومة لئلا يكون الخطر اسرع، بل ينبغي اتخاذ موقف من شكل الحكومة في ضوء ما انتهت اليه الاتصالات والمشاورات الواسعة مدة تفوق المئة يوم واهل السياسة يدورون في حلقة مفرغة، فيما الفراغ والشلل يهددان القطاعات العامة والخاصة. فعندما يصبح متعذرا تأليف حكومة وحدة وطنية وتأليف حكومة من اكثرية اللون الوحد فما هو الحل للخروج من ازمة التناحر بين السياسيين الذين باتوا خلافا للماضي يقدمون مصالحهم الذاتية على مصلحة الوطن ولا يتوانون حتى عن هدم الهيكل على رؤوس الجميع اذا لم يحصلوا على ما يريدون؟ فحب الوطن كان يجعل السياسيين المخلصين في الماضي يطرحون مطالبهم للمشاركة في الحكومة، فإن استجيبت شاركوا فيها والا امتنعوا عن ذلك وقرروا في ضوء بيانها الوزاري منح الثقة او حجبها. وكان من لا يقبل بحقيبة يعتذر ويقول كلمته في مجلس النواب. اما اليوم، ويا للاسف، فمن يريد المشاركة في الحكومة يفرض شروطه ومطالبه ويختار الحقائب وإلا هدد بالشارع، واذا تشكلت حكومة من دونه لا يهدد بحجب الثقة، وهذا حقه الدستوري، بل يهدد بقطع الطرق واشعال الدواليب لمنع وصول الحكومة الجديدة الى مجلس النواب. والبحث في تشكيل حكومة من خارج مجلس النواب عندما يتعذر تشكيلها من داخله ليس امرا جديدا، وهذا ما لجأ اليه رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات لان مصلحة الوطن تتقدم اي مصلحة خصوصا ان المطلوب في الظروف الدقيقة الراهنة تشكيل "حكومة الناس" أياً يكن شكلها والتي تهتم بشؤونهم واولوياتهم مثل الكهرباء والمياه والبطالة وغلاء المعيشة وتحسين مستوى الحياة للعيش بكرامة في الوطن ولا تكون هجرة، ويجب ألا تتكرر تجربة حكومات يسودها التناحر والحقد والكراهية فلا تحقق شيئا لا لمصلحة الوطن ولا لمصلحة المواطن.

لذلك فإن القمة الروحية الاسلامية – المسيحية مدعوة الى اتخاذ موقف من الازمة الوزارية المستعصية ليس ببيان انشائي بل ببيان يخرج بحل لهذه الازمة اذا لم يتوصل اهل السياسة الى الخروج منها، وعندها لا حل إلا بحكومة من مستقلين وتكنوقراط يضعون الملفات الشائكة جانبا لانها شأن السياسيين وليست شأنهم لينصرفوا الى الاهتمام بشؤون الناس ومتطلبات الدولة، والمحافظة على الاستقرار العام في البلاد الذي به ينهض الاقتصاد وينمو ويشعر المواطن بالامن والامان وينعم بالراحة والبحبوحة.
إن موقفا واضحا وصريحا تتخذه القمة من الازمة الوزارية، اذا ما ظل حلها مستعصيا على السياسيين، هو المطلوب قبل اي شيء آخر، بما في ذلك الاتفاق على ما يسمى "الثوابت الوطنية" التي لم تعد يُعرف بالتحديد ما هي، واذا عُرفت قام خلاف على تفسيرها. ففي لقاءات مسيحية صدر ما يسمى "ثوابت وطنية"، وفي لقاءات اسلامية، وكان آخرها ذلك الذي عقد في دار الفتوى، صدر عنها ما سمي "ثوابت وطنية" ايضا. فالثابت الوطني حاليا هو تشكيل "حكومة الناس"، حكومة تعمل لأجلهم، حكومة اعمال لا حكومة اقوال، حكومة تصنع الوفاق بطريقة حكمها، لا حكومة تسمى "حكومة وفاق" فتصنع الخلافات.

السابق
بداية النهاية لمجلس التعاون الخليجي
التالي
خطأ خليجي