الفتنة ومسؤولية الإعلام الحديث

«النصارى معاهم أسلحة وإحنا المسلمين مغفلين، معانا قزاز… ما نبقاش رجالة لو ما حرقناش كنايس إمبابة»..
الشاب السلفي الذي أطلق هذا التهديد يمكن بسهولة مشاهدته عبر «يوتيوب» هو ومجموعة كانت تقف خلفه وتهلل للشتائم التي كالها بحق الأقباط الذين بحسبه احتجزوا «أختا» في الكنيسة، وأنه هو والشباب الذين ذهبوا إلى الكنيسة في إمبابة كانوا يهدفون إلى إغاثتها.

مثل هذه الخطابات التحريضية التي سجلت في لحظات الاشتباك الدامي، الذي وقع في إمبابة في القاهرة قبل أيام، انتشرت بسرعة وباتت متداولة على نحو مقلق.
إحجام وسائل الإعلام المصرية التقليدية عن عرض مثل تلك الآراء لا يعني بالضرورة أن المعالجة الإعلامية لأزمة متفجرة من نوع الاحتقان الطائفي هي معالجة احتوائية، فالعالم الافتراضي زاخر بما يغذي الاحتقان الطائفي في مصر بكثير من الزخم العنفي المقيت.

حتى لو سارت مظاهرات أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون فذلك لن يحل أزمة كانت كامنة على مدى عقود وأتت الثورة المصرية بما أتاحته من مناخات فكشفت واقعا كان موجودا.
ما يضفي المزيد من القتامة سماع تصريحات لأقباط غاضبين يتحسرون فيها على عهد النظام السابق، ويقولون إنهم لم يعودوا يؤمنون بثورة 25 يناير المصرية. يترافق ذلك مع دعوات تطالب بإحالة عبير وكاميليا وأخريات إلى التحقيق للتأكد مما إذا كن قد أسلمن أم لا وهل جرى إجبارهن على التراجع عن إسلامهن.

أن تتحول قضية مثل قضية كاميليا ومثيلاتها إلى محك للاحتقان الطائفي فذلك يوحي كم أن اللحظة المصرية الراهنة تكاد تكون لحظة احتقان خالص.
صحيح أن الخطوة الأولى والسريعة التي ينبغي اتخاذها هي الاحتواء والحزم في ضبط العنف، لكن ما هو ملح هو اللغة التي يجري التخاطب بها، خصوصا من قبل السلفيين والتيارات الإسلامية التي تدور في هذا الفلك.

قد يجري الإعلام بشقيه العام والخاص مراقبة على المواد التي يلتقطها مصوروها، لكن هناك أمامه إعلام التواصل الاجتماعي الذي لا رقابة عليه ولا حدود لـ«الحرية» التي يتيحها والتي تتيح لشذاذ الآفاق مساحة لا يمكن الحد منها. فبالإضافة إلى المعضلة السياسية والطائفية التي تشكلها ظاهرة السلفيين في مصر ثمة معضلة مستجدة تتمثل في قدرتهم على الظهور عبر «يوتيوب» و«فيس بوك» و«تويتر». وهنا تبرز مجددا ضائقة الحداثة، فتلك الوسائل صنعت الثورات، لكن بإمكانها أن تصنع شياطين وكوارث. إذن المعضلة ليست فيما تتيحه التقنيات الحديثة، إنما في الثقافة التي يمكن أن تحملها هذه التقنيات أو أن تنقلها. وبدل أن نسأل جهاز الكومبيوتر عن مسؤوليته حيال ما جرى في مصر علينا أن نسأل الأزهر، ربما بالإضافة إلى الحكومة والجيش، عن خططهم للحد من هذه الظاهرة. نقول: نسأل تلك الهيئات الرسمية، وليس التيارات السلفية نفسها، لأنها لا تزال تبدو عاجزة عن تقديم لغة أخرى ومنطق آخر غير الذي دأبت عليه.

السابق
متى يتظاهر الإسرائيليون؟
التالي
تأثير مقتل أسامة بن لادن على تنظيم القاعدة