الديار: الحكومة جامدة ولا جهود عربية لتشكيلها وأيضاً أوروبية وأميركية

لا تريد المملكة العربية السعودية التدخّل في الشأن اللبناني، وخاصة في تشكيل الحكومة، لأن لا احد قام بمشاورتها عندما تمّ اسقاط حكومة الرئيس الحريري بإستقالة 11 وزيراً، لذلك فهي تقف بمنأى عن التدخّل، واوقفت ارسال الامير عبد العزيز بن عبدالله الى دمشق لمتابعة جهود الـ س.س بشأن لبنان، لأنها تلقّت ضربة قويّة عبر استقالة الحكومة السابقة التي كانت تعتقد ان مؤتمر الدوحة قد اوجد لها إطارا لا يسمح بتطيير الحكومة في أي لحظة. اما القطريون فقد لعبوا دوراً باطنياً فيه جزء من الخبث، اذ ابلغوا الجميع انهم قادرون على تأمين التغطية السعودية لحكومة الرئيس ميقاتي، وقاموا بتسويق الأكثرية الجديدة على قاعدة ان قطر قادرة على جلب الدعم الاميركي والفرنسي والسعودي للحكومة، لكن وعود قطر تبخّرت وتركت لبنان يغرق في دوّامة تشكيل الحكومة.

وبالنسبة لتشكيل الحكومة في لبنان، فقد بدا واضحاً ان هنالك معادلة صعبة، فتشكيل الحكومة من لون واحد هو أمر دقيق، كما ان تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد تطيير الحكومة السابقة، هو امر اصعب، واذا استمرّت الأمور شهراً على ما هي عليه، دون تشكيل حكومة، فإن ذلك يعتبر عجزاً كبيراً من الأكثرية الجديدة عن التصرّف ككتلة نيابية اكثرية في المجلس النيابي غير قادرة على حلّ مشاكل حكومية بسيطة، مثل توزيع الأسماء والحقائب. بالنسبة للسوريين هنالك من بات يعتقد ان اطرافاً لبنانية تنتظر الوضع في سوريا، وعلى اساسه تؤلّف الحكومة. فبمقدار ما تكون سوريا قوية يأتي تشكيل الحكومة على هذه القاعدة، اما اذا اصيب النظام السوري بضعف، فإن الحكومة ستأتي بشكل آخر، وهذا ما يزعج سوريا الى حدّ كبير، وباتت الأسئلة في دمشق مطروحة دائماً، لماذا لا تشكّل الأكثرية الجديدة الحكومة، وماذا ينتظرون؟

اذا اردنا وصف الواقع العملي للحكومة فإن 90% لا بل 95% شكّلت ولم يعد هناك الّا مشكلة اساسية، هي بين العماد عون والرئيس سليمان بشأن وزارة الداخلية، والرئيس ميقاتي عاجز عن حلّ العقدة المارونية، والبطريرك الراعي لم يستطع ان يمون على العماد عون بأن يترك وزارة الداخلية لرئيس الجمهورية، والرئيس سليمان تنازل عن وزارة الدفاع مقابل الحفاظ على وزارة الداخلية. لكن مع ذلك لا يرضى العماد عون بإعطاء وزارة الداخلية لرئيس الجمهورية ويريدها من حصة تكتّل التغيير والإصلاح. باتت العقدة هنا، وتمّ طرح اسماء كي يوافق عليها الرئيس سليمان والعماد عون ليأتي احد الأسماء الى موقع وزارة الداخلية. الاّ انّ الأمور لم تصل الى نتيجة، وبقي كلّ طرف على موقفه، وعبثاً حاول الرئيس برّي والوزير جنبلاط واطراف اخرى بطريقة غير مباشرة حلّ مشكلة وزارة الداخلية لكن دون نتيجة. اما حزب الله فوضعه دقيق جدّاً، فإن هو طلب من العماد عون التنازل عن وزارة الداخلية لصالح رئىس الجمهورية، فيكون قد اعطى ورقة لسمير جعجع وامين الجميل بأن عون تابع لحزب الله، وان بقي حزب الله على الحياد ولا يتدخّل، فإن الحكومة لن تتشكّل، وبات واضحاً ان الرئيس سليمان اصبح على آخر متراس عنده وهو الحفاظ على وزارة الداخلية، ولم يعد يستطيع التراجع اكثر من ذلك، وبات المطلوب من العماد عون ان يقبل بحصته السابقة او بعدد الحقائب كما كان في الحكومة السابقة، وعدم الإصرار على وزارة الداخلية. الاّ ان العماد عون مصرّ، فهل هو مدعوم من حزب الله في ان ينال وزارة الداخلية لإنهاء مراكز قوى الرئيس الحريري في قوى الأمن الداخلي؟ ام ان العماد عون قرّر شخصياً تصفية مواقع الرئيس سعد الحريري في قوى الامن الداخلي؟ معلومات ذكرت انه اذا قام الرئيس ميقاتي بتغيير اللواء اشرف ريفي والعقيد وسام الحسن، وهما ضابطان سنّيان في قوى الأمن الداخلي، فإن هنالك مظاهرة سنّية يقودها المفتي واركان تيار المستقبل وسيذهبون الى منزل الرئيس ميقاتي في فردان للإحتجاج على هذا الأمر، والقول له انه يضرب الطائفة السنية، وهو امر لا يستطيع ان يقوم به الرئيس ميقاتي بشكل احاديّ الاّ من ضمن تشكيلات عامّة. الدولة اليوم تحتاج لتعيين محافظين جدد للمحافظات، وتعيينات ادارية كثيرة، ومدراء عامّين وعمداء لكليّات الجامعة، اضافة الى أنّها مسؤولة عن انعاش الاقتصاد لرفع النمو من 2% الى اكثر، بعد التدهور الحاصل في الاقتصادي اللبناني. من هنا يجب الإسراع في تشكيل الحكومة، لكن العقدة ما زالت مستمرّة. اما دمشق فهي منشغلة عن الوضع في لبنان بالوضع الداخلي السوري، ومنذ شهر ونصف وحتى الآن ينصح السوريون بتشكيل الحكومة في لبنان من الأكثرية الجديدة، لكنّهم منشغلون بأوضاعهم الداخلية ولا احد جاهز للتعاطي بالملف اللبناني، لأن الأوضاع في سوريا مرّت بظرف صعب وكانت الأولوية لدى المسؤولين السوريين حلّ المشاكل في سوريا بدل البحث بإسم وزير الداخلية في لبنان.

في آخر زيارة قام بها موفد الرئيس سليمان المحامي ناجي البستاني الى سوريا شرح فيها وجهة نظر رئيس الجمهورية حول وزارة الداخلية، وانه يجب الّا يكون رئيس الجمهورية ضعيفاً داخل الحكومة وليس لديه وزارة واحدة على الأقل. اما العماد عون فينفي ان يكون لرئيس الجمهورية حقّ تعيين وزير له ويرفض التنازل عن وزارة الداخلية وهو بات يشكّك في موقفي رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي ويعتبرهما انهما يسايران 14آذار، فيما العماد عون يريد حسم المعركة نهائيا مع 14آذار والبلاد لا تتحمّل مواجهة جديدة بين 14 آذار و8آذار اكثر من انتقال المعارضة السابقة الى أكثرية جديدة. لذلك فإن رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي خاصة حريصان على خلق اجواء عدم توتّر في البلاد من خلال تشكيل الحكومة، ويقول الرئيس ميقاتي انه تفاجأ لا بل هو معجب بالمدى الذي يقدّمه السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله لتسهيل تشكيل الحكومة، لكن لا حول ولا قوّة له بالنسبة لحلّ الخلاف بين الرئيس سليمان والعماد عون. كان يعتقد العماد عون وحتى حزب الله انه بعد تشكيل الاكثرية الجديدة فإن كل مواقع الرئيس سعد الحريري ستطير من الدولة، سواء في قوى الأمن الداخلي، ام في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ام في المحافظات، ام في الإدارات العامّة، لكن ذلك سيبدو انتقاماً واضحاً من تيار المستقبل والرئيس الحريري و14آذار ويدخل البلاد بدوّامة انتقامية لا علاقة لها بعمل الحكومة الحقيقي، بل يعطّلها. واذا انجرف الرئيس ميقاتي الى تيار الإنتقام من خلال رئاسة الحكومة، فإنه سيفقد الكثير من مصداقيته، بدلاً من ان يقوم كرئيس مجلس الوزراء بتعيينات على اساس الكفاءة ومراعاة الوضع السياسي دون الدخول في الإنتقام. هناك تجربة سابقة جرت بعدما تمّ التمديد للرئيس لحود ومجيء الرئيس الحصّ، وعندما بدأ الإنتقام من تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ادارة الدولة، اصبح الرئيس سليم الحص مطوّقاً من الطائفة السنية بالتحديد، واعتبره البعض تابعاً للرئيس لحود بالنسبة للإنتقام من تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الرئيس ميقاتي يعرف هذا الأمر، ولا يريد الدخول في الإنتقام، وليس هذا من طباعه. لذلك فهناك خلاف عميق في وجهة النظر بين العماد عون وربما حزب الله من جهة، والرئيس ميقاتي من جهة اخرى، وبات حزب الله يعرف انه لا يمكن تغيير الرئيس ميقاتي لأن لا احد يضمن الأكثرية الجديدة وحتى الوزير جنبلاط لن يسير في الاكثرية الجديدة، اذا تم تغيير الرئيس ميقاتي، والمجازفة بطرح اسم جديد لتشكيل الحكومة.

اما بالنسبة للرئيس سليمان فهو يعتبر نفسه خارج اطار تشكيل الحكومة الاّ بالتنسيق مع رئيس مجلس الوزراء ولا يحدّد وزراء للكتل او الحقائب، بل ابلغ الرئيس ميقاتي اصراره على تعيين وزير للداخلية من قبله، وجرت محاولات كثيرة لإقناع العماد عون بالتنازل عن وزارة الداخلية التي لم تكن في عهدته، لكن العماد عون لم يقبل وبقي مصرّاً على هذا الأمر.

اذا كانت العقدة هي وزارة الداخلية، فهل من طرف يستطيع رأب الصدع بين الرئيس سليمان والعماد عون؟ مفتاحا الحل هما واحد في بكركي والآخر في دمشق، وبالنسبة للبطريرك الراعي قال امام زوّاره، حتى علناً، انه مع عودة الوزير بارود الى وزارة الداخلية، وبالتالي لم يجار العماد عون عون بتغيير الوزير بارود، لكن العماد عون رفض الدخول بصراع مع البطريرك الراعي الذي تمّ انتخابه مؤخّراً، وبالنسبة لدمشق فهي تعتبر أنها لا تستطيع الضغط على العماد عون لأنها أبلغت سابقاً فرنسا واوروبا وغيرهما ان العماد عون ليس تابعاً لها، بل امضى 15سنة في فرنسا واميركا والخارج ولم يمض سنوات في دمشق، فهو ليس تابعاً لسوريا وليس ملبّياً لرغباتها او تمنّياتها. الرئيس برّي وصل به الأمر الى اليأس، لكنّه ليس يأساً ضعيفاً بل قويّاً، فهو سيصبر شهرا كحدّ اقصى ثم يقوم بتحرّك داعم لتشكيل الحكومة، وربما يتّخذ بعض المواقف. اما الوزير جنبلاط فبدأ منذ الآن اخذ المواقف، ولم يعد يتحمّل انتقال كتلته وما بقي منها سوى 7نواب دون ان تتشكّل الحكومة، والوزير فرنجيه يقول انه قام بتسهيل تشكيل الحكومة وليست مهمّته اقناع العماد عون والتوسّط بينه وبين رئيس الجمهورية الّا اذا طلب منه الطرفان ذلك. اما حزب الله فهو كلمة السرّ الحقيقية، ويبدو ان حزب الله غير قابل ببقاء شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي، ومتضايق منها، ويعتبر وصول وزير عوني لوزارة الداخلية وسحبها من الرئيس سليمان سيؤديان الى انتصار حقيقي لحزب الله الذي يصبح على علاقة تنسيقية كاملة مع كل الأجهزة الامنية، كما ان البعض يقول ان حزب الله له مآخذ على الرئيس سليمان وتصل الأمور عند البعض للقول ان الرئيس سليمان يساير اميركا بشأن امور كثيرة في لبنان.

في المقابل يقول ببساطة رئيس الجمهورية انه على تواصل دائم مع سوريا، وانه ابلغ الرئيس الأسد وقوف لبنان الى جانب سوريا في ازمتها، وانه ليس بصدد اتخاذ اي قرار خارج التنسيق مع سوريا، وليست وزارة الداخلية مطلباً كبيراً لرئيس الجمهورية.
مفتاح بكركي لم يؤد الى حلّ مشكلة العماد عون مع رئيس الجمهورية، ومفتاح دمشق لم يتم استعماله بعد، لكن ربما بعد شهر تكون سوريا قد ارتاحت، وعندما يتمّ فتح القفل بواسطة المفتاح السوري وتُشكّل الحكومة، سيكون المنتصر الأكبر الرئيس ميقاتي لأنه سيأتي بحكومة متوازنة حيث يحصل رئيس الجمهورية على وزارة الداخلية وتحصل الكتل النيابية، بما فيها كتلة التغيير والإصلاح، على حصة في الحكومة دون ان تسيطر على رئاسة مجلس الوزراء، فهذا خطّ احمر للرئيس ميقاتي. عندما يخضع الرئيس ميقاتي للعماد عون يكون انتهى سنّياً. حزب الله لا يريد ان ينتهي الرئيس ميقاتي سنّياً بل يريد ان يبقى قويّاً في طائفته، ولذلك لم يكن لدى السيد حسن نصرالله اي تحفظّ على تحرّك الرئيس ميقاتي واشتراكه في الاجتماعات في دار الإفتاء، ثم ان الرئىس ميقاتي اعطى لنفسه حرّية حركة بشكل لم يجعل ايّ طرف يسيطر عليه حتى الآن، واوراقه السرّيّة محفوظة لديه، ولا يعطي سرّه لأحد، لأنه يعتبر ان تشكيل الحكومة القادمة لا يأتي بالكشف عن الأوراق السرّيّة، بل بالحفاظ عليها، كي تولد الحكومة من دون ضجيج وتصاريح اعلامية، واستباق المواقف. لذلك فإن الأكثرية الجديدة منزعجة من هذا الأمر، فالعماد عون الذي لم يستطع حتى الآن كشف سرّ الرئيس ميقاتي، يقول انه غامض ولا يعطي اسماء الحقائب التي يريد تقديمها للتيار الوطني الحرّ. طبعاً هذا اسلوب الرئيس ميقاتي كرئيس مكلّف لتشكيل الحكومة في اصعب ظرف بعد اقالة الحكومة السابقة، لكن الرئيس ميقاتي استطاع مع الرئيس سليمان انجاز اهم عمل، وهو تخفيف الصراع بين 8آذار و14 آذار، كما انهما استطاعا التعاون مع سوريا في ازمتها الحالية بأفضل علاقة لبنانية ـ سورية. اما الباقي فأصبح لدى الكتل النيابية، والدور المقبل الذي سيكون فاعلاً هو دور الرئيس بري والوزير جنبلاط في تشكيل الحكومة.

السابق
الأنوار: تسريبات عن حل لتشكيل الحكومة يبددها تشاؤم عون
التالي
البيرق: علي نقل رغبة سورية ملحة في التاليف