الأجهزة التي أسقطت الرؤساء!

في كل دولة سقط نظامها أو مهدد بالسقوط، توجد أجهزة أمنية عديدة مهمتها متابعة الرأي العام وكتابة تقارير دائمة عنه ترفع إلى الحاكم يقرأها فيعرف منها كل مايجري في بلده من أقرب إلى أبعد نقطة. المشاكل في كل محافظة وكلام المواطنين والنكت التي يرددونها والقضايا التي يثيرونها ومتاعبهم وأفراحهم وآراؤهم في كذا وكذا وما يقولونه عن فلان وفلان وما يحكونه في «الميكروباس» وفي المترو. وهذه التقارير لها محللوها ومتابعوها في مكاتب الرؤساء يقومون بتلخيصها وتسليط الضوء على مايرونه متغيرا غير عادي كي يتنبه إليه الحاكم.

ذلك أن الدولة اليوم لم تعد تحكم على طريقة الوالي الذي ينزل إلى الناس ويطوف شوارعهم ويلتقي بالسكان، فقد زاد العدد وتضاعف، ولم يعد ممكنا ان يفعل الحاكم ماكان يفعله عمر بن الخطاب. الحكم اليوم له أجهزة متعددة، ومنها تلك التي أشرت إليها والتي في الواقع تمثل عيون الحاكم وتنوب عنه في التنصت على آهات المواطنين وقراءة أحلامهم وأمانيهم ومتاعبهم وشكاواهم. ونتيجة هذه التقارير تكون قرارات الحاكم. وبالتالي يتوقف رضا الشعب عن حاكمه على مقدار معرفة الحاكم بهذا الشعب من خلال تقارير الأجهزة المعروفة.

والأصل بل الواجب أن تصدق التقارير التي تقدمها هذه الأجهزة، وأن تصارح الحاكم بكل مايدور في الشارع لأنه إذا لم يتحقق ذلك انقطعت علاقة الحاكم بمواطنيه وتولد شعور عدم الرضا عن الحكم.
السؤال: هل مبارك كانت تصله التقارير السليمة الأمينة الصريحة التي تبلغه وتضع أمامه الصورة الكاملة لما يقوله المواطنون عن ضيقهم من توريث ابنه وعن سخطهم على حكايات الفساد التي انتشرت رائحتها وزكمت الأنوف، عن سخريتهم من نتائج الانتخابات التي جرت؟ وهل زين العابدين في تونس كانت تصله هو الآخر تقارير أمينة عن الحكم الديكتاتوري الذي يعانيه مواطنوه وحكايات أفراد أسرة زوجته وضيقهم بالفساد الذي يمارسونه؟

أستطيع القول ان الأجهزة في مصر وتونس وسوريا واليمن، (أتردد في إضافة ليبيا لعدم تأكدي أنه كانت هناك أجهزة أصلا تتقصى أوضاع الشعب لأن كل مواطن كان يتجسس على الآخر)، هذه الأجهزة نافقت الحاكم وأرادت إرضاءه وعدم تعكير مزاجه، فتحاشت ذكر مايثيره ويغضبه، فأصبح الشعب في نظره راضيا وسعيدا باستثناء القلة المندسة الحاقدة. ومع تعود تلك الأجهزة على الكذب في تقاريرها أصبح يصعب عليها أن تصدقه فجأة لأنها لن تستطيع أن تبرر له غيابها عن الحقيقة قبل ذلك.
كل الأنظمة التي سقطت وستسقط شاركت في إسقاطها الأجهزة التي كان مفروضا أن تصدق الحاكم فخدعته وأرادت إرضاءه وإسعاده بينما هي في الحقيقة تجهز عليه!

السابق
الاغتراب يدعو القمة الروحية لبحث ملفي السلاح والمحكمة
التالي
التاريخ يصنع نفسه في الشرق الأوسط