الراي: لبنان على كفّ تصدُّع سياسي خطر وصُداع اقتصادي أخطر

.. يائس، بائس، مقرف، محبط، مخيف، مأزوم، منكوب. تلك هي الكلمات الاكثر تداولاً في التعبير عن الواقع السياسي اللبناني، في ضوء عجز «الاكثرية الجديدة» عن تشكيل الحكومة بعد اكثر من ثلاثة اشهر على الانقلاب «السياسي ـ الدستوري» الذي قاده «حزب الله» بموازاة «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون لاطاحة حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة سعد الحريري.

والاكثر اثارة في هذه «التوصيفات» لما آلت اليه الاوضاع، انها تأتي على لسان مكونات «الاكثرية الجديدة» المتمثلة بقوى «8 آذار» ومرجعياتها، كرئيس البرلمان نبيه بري، الذي قال ان «الحالة بالويل» ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، الذي لم يكتم احباطه، وعون الذي «فتح النار» على الرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي.

وثمة من يعتقد في بيروت، بان ملامح انفجار «الود الملغوم» بين مكونات الحكومة التي لم تولد بعد، وتقاذف كرة المسؤولية بينها عن ترك البلاد في فم الفراغ، يؤشر الى مرحلة بالغة المأسوية، خصوصاً مع التآكل المتمادي لـ «الدولة» ومؤسساتها والتحذيرات من ازمة مالية ـ اقتصادية تلوح في الافق، وسط رياح عاصفة محتملة يمكن ان تهب من الاضطرابات العنيفة التي تجتاح سورية.

واللافت ان الاطراف المعنية بتشكيل الحكومة تجتاز مرحلة من «انعدام الوزن» نتيجة الارتباك السوري، الذي غالباً ما يتم التعبير عنه بـ «اشارات متناقضة» من جهة، وبسبب «ازمة الثقة» العميقة بين تلك الاطراف مع بلوغ الحملات الكلامية المتبادلة بينها سقوفاً عالية من جهة اخرى، الامر الذي يجعلها اسيرة ازماتها «الخاصة»، في وقت يقع لبنان برمته اسير ازمة فراغ في السلطة يعود الى نحو 5 اشهر يوم انعقد آخر اجتماع لحكومة «الوحدة الوطنية».
ومما يزيد «الطين بلة» ان مأزق تشكيل الحكومة «يتزامن» مع مجموعة من الوقائع المثيرة وفي مقدمها:

? ما كشفته وثائق «ويكيليكس» المنشورة عن «نوايا عدائية» بين مكونات الحكومة «المحتملة»، خصوصاً في ضوء كلام نسب الى ميقاتي عن وصفه «حزب الله» بـ «الورم السرطاني» وعون بـ «المجنون» الامر الذي ولد «استياء مكتوماً» لدى المعنيين بهذا الكلام وعمق ازمة الثقة التي صارت على المكشوف.
? التقارير التي تحدثت عن ان بيروت تبلغت ان القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري قد يصدر اواخر الشهر الجاري، ما يعني ان البلاد على موعد مع استحقاق خطر ينقلها الى مرحلة اكثر دراماتيكية في ضوء ما كان اشيع عن احتمال توجيه اصابع الاتهام في قتل الحريري الى عناصر من «حزب الله».
? السباق المحموم الذي تعيشه سورية بين سعي النظام الى وأد الحركة الاحتجاجية المتصاعدة وارتفاع «الصوت الدولي» المندد بعمليات القمع والملوح بـ «عصا» العقوبات ضد النظام ورأسه، وما قد ينجم من هزات ارتدادية تصيب لبنان من جراء هذا الحراك لـ «الفالق» السوري.

وكانت ملامح بلوغ الملف الحكومي «الحائط المسدود» تجلّت باصطدام محاولة ايجاد «تسوية» على حقيبة الداخلية التي «يتصارع» عليها وسليمان وعون، برفض الاول «توسيط» فريق 8 آذار، قائد الجيش العماد جان قهوجي لاقتراح اسماء 3 ضباط لتولي هذه الحقيبة على ان يتم اختيار مَن يحظى بموافقة «الجنرالين»، بعدما شعر بـ «نقزة» من الاقتراح واعتبره محاولة خطرة جداً لإدخال الجيش في لعبة سياسية.
وسط هذا الأفق المقفل، وقبيل الاطلالة التلفزيونية المسائية لعون التي سبقتها توقعات بانه سيصعّد فيها الهجوم على سليمان وميقاتي، ساد مناخ بان البلاد دخلت في منعطف يحكمه حَدان متواجهان رفعا منسوب الضغوط المتبادلة: الاول لوّح به ميقاتي الذي افسح المجال امام جولة أخيرة من المفاوضات قبل اللجوء الى «آخر الدواء الكي»، اي اعلان حكومة «الأمر الواقع» من خلال طرح تشكيلة وزارية من ثلاثين وزيراً تكون خلاصة المشاورات التي أجراها منذ تكليفه، بمعزل عن الخلاف حول حقيبة الداخلية، ووفق التوازنات التي يراها مناسبة للبلد.

اما الحد الثاني فتلمّح اليه أطراف في 8 آذار لجهة امكان «استبدال» ميقاتي.
واذا كانت اوساط عدة ترى ان لا آلية دستورية لسحب الثقة من الرئيس المكلف وتسمية غيره، كما ان إحراج ميقاتي لإخراجه يبدو متعذراً في ضوء رفض الاخير الاعتذار، فان اوساطاً اخرى ترى ان اي حكومة امر واقع هي بمثابة «تشكيلة مشكلة» باعتبار انها لن تنال ثقة القوى التي سمّت ميقاتي اي الغالبية الجديدة وسـ «تحرق» الأخير لدى 8 آذار بعدما «احترق» لدى 14 آذار.
وأكد الرئيس المكلف، امس، «إن الاوضاع الضاغطة في المنطقة والاستحقاقات الداخلية تتطلب الاسراع في تشكيل الحكومة لكننا في الوقت ذاته نستنفد كل الاتصالات كي تأتي الحكومة منسجمة وتحدث الصدى الايجابي لدى الناس، عبر تشكيل فريق عمل ينكب على معالجة الملفات الكثيرة التي تنتظرنا».

وفي موازاة توقف الدوائر المراقبة عند دعوة النائب في 14 آذار مراون حماده رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف الى سلوك طريق «حكومة انقاذ وطني»، رفض بري بعيد عودته من زيارة لسليمان في قصر بعبدا «نعي» الملف الحكومي. فغداة اعلانه «(…) أنا يائس وبائس وحالتي بالويل»، لمح بري امام النواب الذين التقوه في لقاء الاربعاء الى «استبعاد إقامة صلاة الميت على الحكومة».
اما عون الذي زار بري، على هامش مشاركته
في جلسة لجنة الادارة والعدل البرلمانية، فاعلن أنّ «حالة البلد هي بالويل»، لافتاً إلى أنه بحث مع رئيس مجلس النواب مواضيع تتعلق بالحكومة.
وفيما كان «الصراع» السياسي على الملف الحكومي على أشدّه، بدأ «الصُداع» الاقتصادي يصيب لبنان منذراً بتفاعلات حذرت منها القطاعات الاقتصادية وسط الارتدادات المستمرة لتحذير وزيرة المال في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن من حراجة واقع تأمين رواتب العاملين في هذا القطاع على خلفية امتناع وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال شربل نحاس عن تحويل مبلغ مليار ونصف مليار دولار من حساب خاص في الخزينة العامة الى وزارة المال.
وفي حين عقدت الهيئات الاقتصادية اجتماعاً امس في مقر غرفة التجارة والصناعة في بيروت برئاسة وزير الدولة عدنان القصار الذي حذر من «المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد اللبناني في حال عدم التوصل الى حلول تضع حداً للأزمة السياسية الراهنة»، حذّر عضو النائب غازي يوسف من الوصول إلى انهيار اقتصادي في لبنان.

السابق
السياسة عن مصادر بارزة في 8 آذار: الأمور معقدة ورصيد ميقاتي يتآكل
التالي
عــــودة الــــــروح