الأخبار: اليوم المئة: سليمان يقترح قهوجي للداخليّة

اليوم هو اليوم المئة لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، من غير أن يتمكّن، ولا رئيس الجمهورية ولا الغالبية النيابية، من تأليفها، ومن غير أن يضفوا بارقة أمل على تأليف وشيك حتى
بات توقّع تأليف الحكومة ضرباً من الوهم، وسط يقين راح يقفز فوق الظنون والشكوك، وهو أن الأفرقاء المعنيين بالتأليف لا يريدون فعلاً حكومة جديدة في هذا الوقت بالذات.

وسواء عُزي عدم التأليف إلى عقبة حقيبة الداخلية، أو إلى أسباب خارجية متشعّبة الوجهة، مرة هي ضغوط سياسية أميركية ومرةً تهديد بمصالح اقتصادية ومرة بترقب تطور الاضطرابات في سوريا، الواضح إلى الآن من مجمل الاتصالات واللقاءات الدائرة في الظلّ والعلن بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وبين كل منهما مع أفرقاء الغالبية النيابية الجديدة، كما بين هؤلاء، أن لا معطيات تنبئ بإحراز حدّ أدنى من التقدّم نحو التأليف. بل يعكس هذا الإخفاق ـــــ والبعض المعني يصفه بالمتعمّد ـــــ تمديداً للتكليف ولتصريف أعمال حكومة الرئيس سعد الحريري، وتالياً عدم وجود قرار بإبصار الحكومة الجديدة النور.

لكن المفاجأة الأحدث، في سلسلة الأفكار المتداولة والمتبادلة في الظاهر لتخطّي عقبة حقيبة الداخلية، الدائرة في فلك النزاع السياسي والشخصي بين رئيس الجمهورية والرئيس ميشال عون، أن سليمان اقترح على الغالبية النيابية اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي وزيراً للداخلية.

طُرح هذا الاقتراح في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، ودار في حلقة ضيقة للغاية بين المعنيين بالتأليف، شملت الرئيس المكلف وحزب الله، وبلغ إلى عون عن طريق الحزب. ورمى اقتراح توزير قهوجي إلى الآتي:
1 ـــــ منذ الخميس توقف تداول الأسماء عند البحث عن ضابط يتفق عليه سليمان وعون للحلول في حقيبة الداخلية. تبعاً لذلك، صرف النظر عن شخصية مدنية اعتقاداً من المعنيين بأن ترشيح ضابط من شأنه توفير أفضل تفاهم ممكن بينهما على الحقيبة. لا يجعلها تُحتسب في خانة أي منهما وحده، كما أن الاتفاق عليها يضعها في منزلة وسطى بينهما ما داما قبلا بالشخصية العسكرية هذه، لكن من غير أن تنحاز في مهمتها المقبلة إلى أي منهما ضد الآخر. عندئذ يتساويان في نصف خسارة، لأن أياً من رئيس الجمهورية ورئيس تكتل التغيير والإصلاح لم يحصل على الحقيبة لنفسه، وفي نصف انتصار لأن كلاً منهما حرم الآخر السيطرة عليها.

2 ـــــ يتوخى طرح اسم رأس هرم المؤسسة العسكرية تحقيق أوسع توافق عليه، نظراً إلى الدور الذي يضطلع به في قيادة الجيش، والثقة التي يمحضه إياها الأفرقاء المحليون، على نحو جعله يُبعد الجيش عن التجاذب السياسي، وأبقاه محور استقطاب الجميع إلى دعمه لضمان الأمن والاستقرار. كذلك فإن أياً من الجنرالين المتناحرين لا يسعه أن يحسب الجنرال الثالث على أنه من حصته.

والواقع أن قهوجي، منذ تعيينه قائداً للجيش عام 2008، أظهر أنه على مسافة واحدة من أطراف النزاع. لم ينخرط في توازن القوى السياسي، ولا وضع نفسه وجهاً لوجه مع أي مرجع رفيع. وعندما طلب منه الخميس البحث في أسماء محتملة لحقيبة الداخلية من بين الضباط العاملين، شدّد على أنه لا يطلب لنفسه ولا للجيش دوراً سياسياً، وليسا في صدد القبول بمثل هذا الدور. وهو، إذ استجاب ما دعاه إليه الرئيس المكلف، قَصَرَ مسعاه على المساعدة على التوصّل إلى حلّ لمشكلة مستعصية بين أفرقاء التأليف تخرجهم من المأزق، عبر اقتراح اسم ضابط يوفر توافقاً سياسياً على توزيره. وقد تفاهم سليمان وميقاتي سلفاً على حلّ بضابط قبل أن يطلبا من قائد الجيش اقتراح أسماء. وحينما طُرح اسم العميد بول مطر وافق عون، ولكن سليمان تحفّظ.
3 ـــــ كان ردّ الفعل الأوّلي لقهوجي، عندما فوتح باقتراح توزيره، الخروج من هذا السباق السياسي بسبب إصراره على البقاء على رأس المؤسسة العسكرية. لا يريد العمل السياسي ولا يتعاطاه، ويتمسّك بإبعاد الجيش عنه، ويرى أن للمؤسسة العسكرية من ضمن مهمتها الأساسية في حفظ الأمن، توفير أوسع حماية للاستقرار السياسي. ويجد قهوجي في وجوده على رأس المؤسسة العسكرية الخيار الأفضل له ولها.

4 ـــــ يطرح توزير قهوجي لحقيبة الداخلية للتوّ استقالته من قيادة الجيش بغية انصرافه إلى إدارة الحقيبة، ممّا يفتح باباً عريضاً على جدل سياسي متشابك في خلافته، بعدما طبع تعيينه في 28 آب 2008 سجالاً في مجلس الوزراء في أثناء التصويت على هذا التعيين كما قبله، وكان لكل فريق في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك مرشح لقيادة الجيش. ولأن تعيين قائد جديد خلفاً لقهوجي يقتضي انتظار انعقاد مجلس وزراء الحكومة الجديدة، يبدو من غير المفيد المجازفة في إحداث شغور في قيادة الجيش، وإن حلّ رئيس الأركان محله انتقالياً ريثما يُعيّن القائد الجديد.

لكن الواقع أيضاً أن ثمّة سابقة عن حالين سجلتا تسمية قائد الجيش وزيراً مع احتفاظه بمنصبه:
ـــــ عُيّن اللواء فؤاد شهاب وزيراً للدفاع الوطني في حكومة الرئيس سامي الصلح ما بين 18 تشرين الثاني 1956 والأول من آذار 1957 عندما استقال منها للتفرّغ للجيش وضبط الأمن، في مرحلة شهدت اضطرابات أمنية. وكان جاء إلى المنصب للسبب نفسه.
ـــــ عيّن العماد فيكتور خوري وزيراً للدفاع الوطني في حكومة الرئيس سليم الحص، المعوّمة عام 1978، بعدما استقال الوزير فؤاد بطرس من هذه الحقيبة على أثر محاولة اغتياله في 12 تشرين الثاني 1978.
ورغم أن شهاب وخوري حلاً في الحقيبة المكمّلة لمنصبهما في قيادة الجيش، فإن توزير قهوجي يضعه ـــــ في حال احتفاظه بمنصبه ـــــ في إدارتين لا تكمّل إحداهما الأخرى.
وعلى أهمية اقتراح توزيره لإحداث صدمة في تأليف متعذّر، أخرج قهوجي نفسه سلفاً من لعبة سياسية باتت مائعة أكثر ممّا يُحتمل.

السابق
جنبلاط : عجز السياسيين يستوجب انتحاراً جماعياً
التالي
الجمهورية : الأكثرية ترشّح أسماء لسليمان وعون يتّهمه بـ اللاحيادية