زلزال الشرق الأوسط وتداعياته

 تبدو مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية كخلية نحل تحاول تدارك ما فاتها من تقصير إزاء الأوضاع في الشرق الأوسط، بعد أن عجزت استخباراتها بقدراتها «الأسطورية» عن توقع مآلات الأمور في كثير من الدول التي كانت أنظمتها حليفة للكيان الإسرائيلي.
معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أصدر دراسة جديدة حول المستجدات الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، على ضوء التطورات التي يشهدها العالم العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، ومدى انعكاس موجة التغييرات في المنطقة على الأمن الإسرائيلي. وشارك في إعداد الدراسة مجموعة من الخبراء الإسرائيليين، ومن بينهم د. ميخائيل ميلشتاين، إفرايم كام، رون تيري، شلومو بروم، إفرايم لافي، دان شيفتان، يوئيل نوجنسكي، جيليا ليندنشتراوس.

الفصل الأول من الدراسة حول زلزال الشرق الأوسط وتداعياته على «إسرائيل» أعده د. ميخائيل ميلشتاين، وهو خبير في تاريخ القضية الفلسطينية، وصدرت له دراسة عام 2009 تحت عنوان (صعود تحدي المقاومة وتأثيرها على الأمن الإسرائيلي). ويوفر هذا الفصل رؤية مهمة حول طريقة متابعة التطورات في الشرق الأوسط من وجهة النظر الإسرائيلية، وبالتالي يقدم رؤية ربما تكون أكثر واقعية لطريقة تلقي المؤسسة السياسية والعسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية لتطورات العالم العربي، خاصة مصر، وتحديد بعض الخيوط المهمة لبناء موقف موحد على مستوى الشارع السياسي والثقافي في العالم العربي وفي مصر على وجه التحديد حول كيفية نظر «إسرائيل» للتطورات العربية.

يرى الباحث ميلشتاين أنه في الأشهر الأخيرة شهد الشرق الأوسط اضطرابات عميقة، بعضها غير مسبوق في سماته وقوته، الزلزال ضرب دولاً كثيرة في المنطقة بشكل منفرد، ولكن تراكم الأحداث بالتزامن وعلى نفس الخلفيات، بحيث وفرت كل منها وحياً للأخرى، منحها طابعاً جعل منها موجة إقليمية واسعة. وحتى الآن لم يتضح في أي مرحلة يوجد الزلزال وكيف سيتطور، ولكن واضح أنه غير وجه المنطقة.

أبرز عناوين الزلزال هي ثورة مصر، من وجهة نظر الباحث، ليس فقط بسبب وزنها الجيو– سياسي على الصعيد الدولي، ولكن أيضاً بسبب المفاجأة الإستراتيجية التي تسببت بها الثورة للجميع. البدائل الدراماتيكية في مصر تعتبر بشكل كبير مقدمة لما يحدث في معظم العالم العربي. فهي تحمل تغييراً جذرياً في أداء وقوة جزء من اللاعبين الأساسيين في العالم العربي، وظهور مصادر جديدة لم تكن معروفة حتى الآن، أو أن مستوى معرفتها كان محدوداً.

التغيير الأبرز كان لدى نظم مخضرمة ولديها قوة هائلة، كانت توصف على مر السنين على أنها المعسكر المعتدل في الشرق الأوسط، والذي يقف إلى جوار الولايات المتحدة الأميركية، ويساعد في ترسيخ الاستقرار الإقليمي، ولكنها فجأة أصبحت توصف على أنها ديكتاتوريات مستبدة. أما الشارع العربي الذي بدا خاضعاً ومستكيناً وغير مبال، فقد ظهر كعنصر محفز يحمل تأثيراً هائلاً، يستطيع أن يغير نظاماً امتد سنوات. أما الجيوش في العالم العربي التي اعتبرت خاضعة للنظم، فقد أبدت قوة غير متوقعة. والحركات الإسلامية التي وصفت بصفة عامة على أنها تهديد مركزي للأنظمة في المنطقة، ظهرت – على الأقل في المرحلة الحالية – «منظبطة» .

الاتحاد الأوروبي الذي أبدى معظم أعضائه تحفظاً على استخدام القوة في الشرق الأوسط، أصبح العمود الفقري للمعركة ضد نظام القذافي في ليبيا (بقيادة فرنسا). والولايات المتحدة الأميركية تفاجأت بإعطاء ظهرها لحلفائها المخضرمين، وهي تظهر أنها لم تستخلص الكثير من دروس الماضي. وإلى جانب التغييرات التي بدأت لدى لاعبين مخضرمين، ظهر لاعبون جدد لديهم قوة كبيرة، وعلى رأسهم الشبكات الإجتماعية على الإنترنت، الميديا العصرية وجمهور الشباب، والذين كانوا عنصراً مركزياً في التطورات الأخيرة.
تتساءل الدراسة عن المغزى من شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) وما المطالب الفعلية للمجتمع، والذي في النهاية أظهر قوة وتأثيراً كبيرين، وكيف أن الثورة في تونس كانت الأولى، غير أن الثورة في مصر كانت الأهم والأكثر تغطية إعلامية. وعلى الرغم من خلع رأسي النظام في مصر وتونس، غير أن الجيش لا يزال يسيطر على مقاليد الأمور، ومع ذلك من الصعب تحديد سمات القوة الاجتماعية الجديدة، والتي تقوم في الأساس على الشباب، لذا فإن الشعوب العربية لم تنضج بعد لترسيخ نظام سياسي عصري وإدارة ديمقراطية سليمة، مع أنه أثبت نفسه في الأحداث الأخيرة.

ومع ذلك، لا تعتبر الدراسة أن تطلع الشعوب العربية للديمقراطية مصحوب بتطلع للغرب في البعد الثقافي والفكري، ولكن العكس هو الصحيح، حيث إن قسماً بارزاً من الحركة الاحتجاجية، حتى غير الإسلامية تحمل عداء للغرب بصفة عامة، وللولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» بصفة خاصة. وكيف أن قسماً كبيراً من المتظاهرين هم من الإسلاميين، وأنه من الصعب العثور على فارق جوهري بينهم وبين العلمانيين، لذا ينبغي أن يكون هناك حذر في قياس الأمور، خاصة أنه لم تتم ملاحظة (معسكر سلام) بالمفهوم الذي تعرفه «إسرائيل» والغرب. كما أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس اندمجت بين التظاهرات الشعبية، وحصلت على اعتراف غير مسبوق.

وتزعم الدراسة أن التطورات تخدم (معسكر المقاومة) في الشرق الأوسط، والذي تقوده إيران، على حد وصفها. وخاصة أن الزلزال ضرب في الأساس دولاً من المعسكر المعتدل وعلى رأسها مصر، وهذه الدول المعتدلة كانت تقف في وجه معسكر المقاومة، وهو أمر يضعف من موقف الولايات المتحدة أيضاً، وخاصة أن هناك دلائل على قوة وضع المعسكر الإسلامي وخاصة في مصر، في ظل انشغال العالم أيضاً عن الملف النووي الإيراني. وعلى الرغم من أن الثورات في العالم العربي لم تكن بمبادرة من المعسكر الإسلامي، لكنها تسهم في إحداث زخم يصب في مصلحته، وتضعف في المقابل المعسكر المعتدل الذي ينهار تماماً.

وتقول الدراسة إن التطورات في الشرق الأوسط، وخاصة في مصر، تحمل أبعاداً إستراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، ولخصتها في عدد من النقاط كالتالي:
أولاً: تقف مسألة استقرار اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل – كأساس إستراتيجي مهم جداً لإسرائيل، والذي قامت عليه نظرية الأمن الإسرائيلي في العقود الثلاثة الماضية، وأي تغيير في النظام، وخاصة إمكانية صعود نفوذ الإخوان المسلمين، يعطي إمكانية كبيرة لتغيير نظرية الأمن الإسرائيلي. وعلى المدى القصير وما دام الجيش المصري يتولى زمام الأمور، يبدو أن اتفاقية السلام ستستمر، ولكن تدرس إسرائيل بدقة مدى تداعيات الوضع الداخلي في مصر وتأثيره في السياسات الخارجية ونظرية الأمن، وخاصة بعد الانتخابات المتوقعة نهاية العام الحالي.

ثانياً: انشغال العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، بما يحدث في الشرق الأوسط، يشتت الانتباه عن قضية البرنامج النووي الإيراني، كما أنه يدفع عدداً من الدول إلى وقف خطواتها ضد إيران على الصعيد الاقتصادي والسياسي، والعسكري، خشية تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة.
ثالثاً: ترى الدراسة أن معسكر المقاومة يستمد طاقة وقوة من ضعف الأنظمة العربية المعتدلة، وسوف ترى عناصر المعارضة في ذلك بداية لمجال عمل مريح على جميع الصعد، وخاصة العسكري، وفرصة لتعميق تأثيرها على دول المنطقة.
ترى الدراسة أيضاً أن التطورات في الشرق الأوسط خاصة في مصر وسورية تضع أمام «إسرائيل» تحديات أمنية أكثر، وتقلل فرص دفع المسيرات السياسية بالنسبة لإسرائيل. كما أن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً إسرائيلياً كبيراً في المجال التكنولوجي والاقتصادي، ولكن حالياً هناك تطور تعتبره سلبياً أمام المنطقة، تمثل في زيادة التهديدات ضدها خاصة ووضع إيران في المنطقة، وإمكانية امتلاكها قدرات نووية، وكذلك قوة معسكر المقاومة.
 

السابق
أسرار الدقائق الطويلة في قاعة الأزمات أثناء عملية قتل بن لادن
التالي
باكستان أسامة بن لادن