نحو انهاء الصراع

إن الجهد الفلسطيني من اجل الاعتراف بدولة فلسطينية في جلسة الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول يوشك أن يؤتي ثمارا. فمن شبه المؤكد ان الثلثين الضروريين من اجل ذلك (128 دولة) سيوجدان وأن مجلس الامن المسؤول عن تطبيق قرارات الجمعية العامة سيؤيد الاجراء. ستمتنع الولايات المتحدة، بخلاف سياستها حتى الآن عن استعمال قرار النقض لخطوات التطبيق المرتقبة في المجلس. فقد أدرك براك اوباما انه لا يستطيع ان يواجه العالم وأن نتنياهو لا يعمل إلا اذا اضطر الى ذلك.
الى الآن أفشلت الولايات المتحدة تسوية ممكنة لانها أصرت على احرازها بقواها الذاتية. إن صراعات قليلة القوة لم تحسم في ميدان القتال لم تنته قط بمبادرة جهة دولية واحدة فضلا عن مبادرات مباشرة، بل سخية للأطراف الصقرية. إن المجابهات ذات القوة المنخفضة انتهت الى خطة سلام أو استقرت على الأقل في هدنة طويلة في ظل اجراء تدويل فقط.
هكذا كانت الحال في ايرلندة الشمالية (بمبادرة ايرلندة وبريطانيا)، وفي جنوب افريقيا، وغرب افريقيا وتيمور الشرقية (برعاية الامم المتحدة)، وكذلك في موريتانيا والسنغال (برعاية منظمة الدول الافريقية). فالجهود الفلسطينية تتجه الى ذلك بالضبط. والسبب ان التدويل يُحدث سلسلة الشروط الضرورية لانهاء صراعات من هذا القبيل: تأييد الاجهزة السياسية للطرفين المتواجهين (الاحزاب والبرلمانات والحكومات والحركات المقاتلة) لمخطط السلام؛ وهدنة كاملة؛ ووساطة دولية؛ واتفاق على التدرج في تطبيق التسوية.
الامر المفاجيء في هذا الشأن كله هو انه بعد ان تبين بظروف التدويل وضغوطه انه لا مناص من الحوار، أصبحت الاحزاب والحركات السياسية المهيمنة للصقور عاملا يدفع بالحوار الى الأمام. فمواقفهم المتشددة التقليدية مثل "لا يوجد من يُتحدث اليه" أو "لا نُقسم القدس" في جانبنا، و"لا حل للمشكلة الفلسطينية سوى الجهاد" في الجانب الثاني، تسقط سقوطا كاملا في هذا المقام.
لم يحلم التوحيديون في ايرلندة الشمالية والقومانيون في جنوب افريقيا بأنهم سيضطرون ذات يوم الى الجلوس الى أعدائهم الكاثوليك والسود، على الترتيب. لكن ذلك حدث. تستعد السلطة وحماس لذلك المقام. وسيحدث هنا ايضا. لم تعد حماس بعد الاتفاق مع السلطة هي حماس قبله.
برغم الاسئلة الأساسية الصعبة المشحونة التي ينبغي بحثها – رسم حدود الدولة الفلسطينية مع تبادل الاراضي المطلوب، وصوغ السيادة المشتركة على القدس وعلى الحوض المقدس وتحديد عدد اللاجئين الذين سيُسمح لهم بالعودة، وترتيب السلوك في المناطق الامنية، واخلاء بؤر استيطانية ومستوطنات وفيها المتطرفة في الخليل وما حولها – سيجري التفاوض.
والسبب انه مع العلم بأن التفاوض سيحدث على كل حال، بهذا التشكيل السياسي أو غيره، فلن يضيع أي حزب أو حركة فرصة نادرة بمرة واحدة للتأثير في مسار التاريخ الوطني والدولي وللحظوة بمكانة وطنية ودولية جديدة تلائم عصر السلام.
على نحو مفارق سيصوغ شعور الساعة التاريخية والقرارات الحاسمة الصعبة جدا التي يجب مجابهتها الائتلاف القائم هنا والذي يصاغ في الطرف المقابل (ولن يفاجئنا ان نرى فيه ايضا الجبهة الشعبية وربما الجهاد الاسلامي). هذه الصعاب خاصة ستضمن لها الاتساق السياسي الذي يتجاوز المعارك الانتخابية على طول السنين الثلاث أو الخمس التي سيُحتاج اليها لاجراء التفاوض، والسنين الطويلة التي سيُحتاج اليها لتطبيق اتفاقاته.
بحسب تطور الامور فان نهاية الصراع وانشاء دولة فلسطينية في خطوط مبادرة جنيف تقريبا، قريبان. إن مرحلة الضحية كما سمى المؤرخ بني موريس علاقاتنا المعوجة مع الفلسطينيين، توشك أن تنقضي. سيتبين لنا قريبا انه يوجد من يُتحدث معه وما يُتحدث فيه وانه لا يهم أي تركيبة ائتلافية تتحدث، وأن التحادث هو الذي يصنع السلام فقط.

السابق
حكم غزة كحكم اسلام اباد
التالي
القاء القبض على نشّال الجنائز في بنت جبيل