بين تهديد وتهديد وجودي

من المجدي للمرء أن يرى الفيلم الكامل لبلاغ الرئيس الامريكي عن مقتل اسامة بن لادن. تسع دقائق يعلن فيها رئيس امريكي عن انجاز عملياتي اساسه رمزي: رمزية امريكا التي لن تنسى، ستطارد من مس بها، وستنال منه. وبالمقابل، فانها لا تنسى للحظة من هنا هو القوي، وما هو المعنى الحقيقي للقوة.
نبرة اوباما كلها ضبط للنفس. وهو يذكر فظاعة 11 ايلول، ولكنه يحرص على أن يذكر ايضا بان ليس للامريكيين حرب مع الاسلام، ويحترم سيادة الباكستان ومصالحها، بقدر ما يكون هذا ممكنا بالنسبة لدولة نفذت لتوها في عاصمة دولة اخرى عملية احادية الجانب على نحو ظاهر. وهو يذكر الخطايا التي جعلت بن لادن بن موت، ولكنه يميز بينه وبين من ليس كذلك. وهكذا فانه يصغر الرجل الذي صفي الى حجومة الحقيقية: متزمت عديم الكوابح مسؤول عن قتل الالاف، ولكنه ليس تهديدا وجوديا على قوة عظمى.
نحن معتادون على استخدام النموذج الامريكي بالمعنى المعاكس: انظروا ماذا يفعلوا لمن أغضبهم، انظروا كيف أنه عندما تكون المصلحة الامريكية على كفة الميزان فانهم لا يسألون أنفسهم ماذا يفكر العالم ولا يحصون احدا. هذا صحيح؛ صحيح ايضا ان الولايات المتحدة أظهرت غير مرة ازدواجية كبرى بالنسبة للاعمال الاسرائيلية، التي ندد بها لاعتبارات اخلاقية بينما أعمال امريكية استخدمت القوة باضعاف اعتبرت كدفاع مبرر عن النفس. ولكن خطاب اوباما يثير افكارا اخرى – بالذات على خلفية بعض الامور التي قيلت في اسرائيل قبل بضع ساعات من ذلك، عشية يوم الكارثة.
كم بعيدة القوة الهادئة للرئيس الامريكي عن خطاب بنيامين نتنياهو الذي ربط فيه النازيين الذين تآمروا وتمكنوا من ابادة يهود اوروبا وبين حزب الله وحماس – المنظمتين التي قوتهما لاغية تماما أمام قوة اسرائيل. كم يختلف الاحساس بالعدل الطبيعي القائم بالذات في الاعتراف بالحجم الحقيقي للعدو والاستخلاص من ذلك وسائل العمل ضده، عن استغلال جرائم الماضي للتبرير التلقائي لكل فعل يستخدم القوة.
المؤرخ عاموس غولدبرغ كتب أمس مقالا في "هآرتس" اشار فيه الى أن بعض البحوث الاهم عن الكارثة في العالم لم تترجم الى العبرية. ويدور الحديث اساسا عن بحوث تعاطت مع الكارثة ليس كفعل جنوني كله لاسامية بل كحدث انساني هائل الحجوم، شارك فيه اناس كثيرون لم يكونوا متطرفين في ارائهم ونبع من اماكن مظلمة يتشارك فيها كل انسان.
تجاهل هذه البحوث ليس صدفة: من سنة الى سنة الكارثة نفسها، كحدث تاريخي غير مسبوق يظهر امورا كثيرة عن الحيوان البشري، تتقزم في الوعي الاسرائيلي حيال كارثتنا، الظلم الرهيب الذي يحاق بشعب آخر وبالتالي يبرر كل شيء يفعله هذا الشعب من الان وحتى الابد. من سنة الى سنة الخجل، الذي ينبغي أن يغطي بالذات وجوهنا حين يشبه رئيس وزراء القوة الاقليمية منظمة ارهابية، مهما كانت اجرامية بالمانيا النازية، يخلي مكانه للتبرير الذاتي الجماعي: نعم، كلهم هتلر – احمدي نجاد، نصرالله وهنية وكل عدو مهما كان، ومهما كانت قدراته.
عندما يكون هذا هو الاحساس الجماعي، فمن يهمه بالضبط ما حصل في عهد هتلر واي قوى في النفس البشرية، كل بشر، سمحت بان تتحول رؤيا مجنونة الى قتل غير مسبوق. ذوو القوة الحقيقية، مثل الرئيس الامريكي يتصرفون بضبط للنفس حتى عندما يستخدمون القوة ضد عدو لدود. من يخاف، ولا يفكر كم هو قوي حقا – في نظره كل عدو هو الشيطان.

السابق
الحاجة والاستغلال.. سبب تضاؤل أراضي المسيحيين جنوباً
التالي
ثياب عباس الجديدة