ثارت المصالحة الفلسطينية الفلسطينية التي ستوقع الاربعاء المقبل في القاهرة بين السلطة برئاسة محمود عباس وحركة " حماس" برئاسة خالد مشعل تساؤلات جدية عن مدى صلاحية الاستمرار في المنحى القائم في لبنان والساعي الى تأليف حكومة من قوى 8 اذار. اذ تعتقد مصادر سياسية ان الاسباب التي حفزت على المصالحة بين الافرقاء الفلسطينيين لا تتصل فجأة بالرغبة في تسديد ضربة الى اسرائيل التي ازعجها تقارب الفلسطينيين وستسعى دوليا لمنع الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، علماً ان هذا السبب وحده كان كافياً، لأن يجري الفلسطينيون المصالحة منذ زمن بعيد. اذ ان كلاً من الفريقين الفلسطينيين لا يزال على مواقفه الاساسية ويعتبر متابعون كثر ان التحولات الاقليمية هي التي فرضت هذه المصالحة وتوقيتها ان لجهة ما يمكن ان تعنيه مرونة حركة "حماس" المتصلة أصلاً بسوريا وايران وتقديم ورقة المصالحة الى مصر التي جهدت في عهد الرئيس حسني مبارك لاكثر من اربعة اعوام من دون اي نتيجة او ما يمكن ان يعنيه ذلك في ذروة الخلاف الخليجي الايراني في المنطقة، وخصوصاً ان "حماس" اعتبرت دوما ورقة سورية ايرانية الى جانب الاوراق الاخرى التي تصنف لايران في الدول العربية. ومن المبكر القول ان بوادر ازالة الفتور والتوتر في العلاقات بين ايران ومصر وكذلك بين مصر وسوريا اثمر بيع القاهرة المرتبكة في رسم معالم سياستها الخارجية بعد التحول الذي شهدته ورقة رعاية المصالحة الفلسطينية في هذا الوقت.
والسؤال الذي تبرزه هذه التطورات باعتبار ان لبنان كان متصلاً خلال الاعوام الاخيرة على نحو وثيق بالخط البياني لتصاعد الامور او تهدئتها في الاراضي الفلسطينية المحتلة هو الى اي مدى يمكن لبنان ان يكون في منأى عن التداعيات الجارية. اذ ان تساهل دمشق ازاء موضوع المصالحة الفلسطينية التي رحبت بها في موقف لمسؤول سوري، في حال وجد، فانه يعني رسالة بمضمون متغير في السياسة الخارجية ولو في مؤشراته الاولى لا يمكن اغفاله. وفي حال حصول المصالحة من دون تساهل دمشق او موافقتها، فهو يعني ايضاً مضموناً مختلفاً. فأين يكون موضوع حكومة من لون واحد في لبنان باعتبار ان في لبنان جوامع مشتركة مع الفلسطينيين ان في التنازع الاقليمي حولهما او في الاوراق الاقليمية ما يدفع الى التساؤل اذا كان ما سرى على الازمة الفلسطينية ينسحب على لبنان . وهل ان الظروف لا تزال تسمح بتشكيل الحكومة او ان التطورات تحتم خلط الاوراق من جديد على غرار ما حصل في المصالحة الفلسطينية علماً ان التطورات السورية وحدها كافية لطرح هذا السؤال على الاقل من زاوية مراجعة الافرقاء اللبنانيين حساباتهم وتقرير ما يجب تقريره بالنسبة الى الوضع في لبنان بناء على المعطيات الجديدة الطارئة التي لا يمكن تجاهلها.
هذه الاعتبارات وحدها كافية لترسيخ الاعتقاد أن جهود تأليف الحكومة تدور في الفراغ وتضييع الوقت في الخلاف على توزيع الحصص في انتظار ان تبرز مؤشرات تنصح باعادة خلط الاوراق كما حصل مع الفلسطينيين او تدفع في هذا الاتجاه. ولا يبدو ان هذه المؤشرات قد توافرت حتى الآن وفق مصادر مطلعة بمعنى الاتجاه او الدفع الى احياء خط تواصل بين الافرقاء اللبنانيين او اعادة احياء الحوار، خصوصاً في ظل استمرار الاجواء " الاتهامية " لفريق لبناني بالضلوع في احداث سوريا ولو ان الاتهامات تراجعت او فقدت اهميتها مع غياب اي اثباتات عليها. فلا لبنان وحده قادر على ان يقرر اعادة نظر شاملة والمصالحة بناء على الاخطار المحدقة به في ظل ما يجري في المنطقة وليس هناك من يشجعه على ذلك باعتبار انه لا يزال يستخدم ورقة محتملة للمساومة مع انه فقد الكثير من هذا الدور ومواقف الافرقاء اللبنانيين على حالها من التمترس السياسي والذي يصعب القول في ظل ادخال التطورات في سوريا عاملاً اضافياً من عوامل التجاذب قسراً وتحت عنوان ان امن سوريا من امن لبنان واستقرارها من استقراره بحيث من المستبعد ان تظهر عوامل مغايرة مشجعة على المصالحة اللبنانية في المدى المنظور وتاليا اعادة خلط الاوراق والذهاب الى وضع يحاول ان يواكب التطورات الاقليمية. والفريق المعني بتأليف الحكومة يدرك هذا الواقع جيدا وهو قد استنزف فعلاً في معركة التأليف من حيث المماحكات التي تجري بين صفوفه او من حيث الوقت الطويل الذي استغرقه تأليف الحكومة او ايضا من حيث الثقة بقدرته على ان يدير شؤون البلد في ظل الظروف السياسية والاقليمية الراهنة. لكن الامور لم تنضج بعد في هذا الاتجاه وخصوصاً مع وضع سوري يثير قلق اللبنانيين عموما لكنه يثير قلق هذا الفريق اكثر كون الوضع الجديد الذي نشأ في لبنان بعد اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري كان بالتوافق بين سوريا وبينه. وحين ينقل زوار العاصمة السورية عن مسؤوليها تشجيعهم المضي والاسراع في تأليف الحكومة فانما هذا يعني عدم السماح باخذ المعطيات الجديدة في المنطقة في الاعتبار وعدم امكان لبنان ترجمة مواكبته هذه التطورات في اي اتجاه مختلف اخر.