لمحات من تاريخ الشيعة والسنة في الدفاع عن الكويت جميعاً

نظرا لقصور المناهج التربوية والاعلامية، وتقاعس العاملين فيها عن القيام بكشف الحقائق الوطنية عن دور النسيج الكويتي في بناء الكويت منذ نشأتها قبل أكثر من ثلاثة قرون، والدفاع عنها، فقد نمت عندنا ـ للأسف الشديد ـ مشاعر التشكيك والطعن في مكونات هذا النسيج وان كنا في يأس ممن امتهن الطائفية، فإن التفاؤل والثقة في شبابنا الواعد في الزود عن الوحدة الوطنية، ولعل اولى خطوات ذلك ان تعرض عليهم الصور المشرقة بتلقائيتها وعفويتها لتاريخ الكويتيين الاصليين، ونعرض هنا بعض الفلاشات عن هذا الموضوع اختصارا واقتباسا من كتاب اخينا د.عبدالمحسن جمال: «لمحات من تاريخ الشيعة في الكويت» (وبتصرف):

اشترك الشيعة في تكوين اساسيات الكويت ضمن المهاجرين الاوائل بدليل اشتراكهم في اول حرب خاضها الكويتيون مع بني كعب وهي حرب الرقة 1783، وقد سكنت اغلب العوائل الشيعية في فترة حكم الشيخ صباح الأول في منطقة الشرق من العاصمة والمنطقة الوسطى، ورغم انهم كانوا يتناصفون سكان الكويت الا ان الجميع سنة وشيعة انصهروا في بوتقة الوطن الواحد ليتمتعوا بالأمن والأمان، وليتجنبوا كثرة الصراعات والنزاعات التي طغت على المناطق المجاورة.

٭ معركة الرقة: حدثت في عهد الشيخ عبدالله الأول 1783، عندما حاولت قبيلة بني كعب «الممتدة في البصرة الى نفوذها على القبائل في ايران المجاورة» ان تمد نفوذها على الكويت، وقد تصدى شيخ الكويت لها بالرفض القاطع، مما ادى الى تجهيز بني كعب لقواتهم البحرية استعدادا للهجوم على الكويت، فاستعد اهل الكويت وخرج الكثير منهم على متن سفنهم الصغيرة التي ساعدتهم على سرعة التحرك حول سفن الاعداء الكبيرة التي تعسر تحركها بسبب استغلال الكويتيين لفترة الجزر فيقل الماء حيث دارت المعركة قرب جزيرة فيلكا وكانت هذه المعركة الاولى التي نجح الكويتيون في اثبات قدرتهم على الصمود والانضواء جميعا تحت العلم الكويتي، وكان الشيعة يمثلون الغالبية المطلقة في هذه المعركة، بسبب ان بني كعب كانوا من الشيعة فأرادوا ان ينفردوا بهم مراعاة للمصلحة العامة، وكانت شيلتهم في المعركة «خل الشيعي للشيعي وتنحى يا السني»! وقد استشهد الكثير من ابناء العوائل الكويتية أمثال الشهيد محمد الشمالي ونجم الوزان «أين هؤلاء من التكريم الوطني؟!» وقد انتصر الكويتيون وفر بنو كعب بعد ان اثخنوا بالقتل في زعمائهم، وللاسف تناسى كثير من المؤرخين هذه الحقيقة الناصعة.

٭ حرب الصريف: حدثت هذه المعركة في عهد الشيخ مبارك 1900 عندما جهز الشيخ مبارك جيشا كبيرا تكون من القبائل كالعجمان ومطير والعوازم وبني هاجر وغيرهم بالاضافة الى الشيعة، ودارت المعركة في منطقة الصريف قرب القصيم في مواجهة ابن الرشيد، ورغم خسارة الكويت الفادحة، لكن الكويتيين تعاضدوا في الآلام والاحزان وكان من قتلى الصريف حمود السعدون ومحمد عيدي (شيعي) وعثمان المضف ومحمد بن نويصر «من العوازم» خميس بن عزام، ومضف المضف، عيسى المتروك (شيعي)، درويش الوقيان، روضان بن حمود الروضان وغيرهم من عوائل الساير والصباح والربيع والطبطبائي وحبيب والعبدالرزاق والرشيد والشهام والشمالي والرامزي والوزان والحداد.. وغيرهم.

٭ موقعة الجهراء: حيث اكدت هذه المعركة مرة اخرى على وقوف الكويتيين صفا واحدا خلف حكومتهم في السراء والضراء، وتفاصيلها مذكورة ومعروفة لكن الجانب المغيب هو دور الشيعة في الذود عن الكويت الداخلي، حيث اجتمع الشيعة في الحسينية الخزعلية بقيادة العالم الديني السيد محمد مهدي القزويني وعيسى كمال الدين العلوي، مثلما اجتمعت فرقة اخرى من الشيعة بقيادة العالم الديني الميرزا علي الاحسائي الحائري، ولم يكن لديهم سلاح ثم خرجوا مشيا، الى الشيخ احمد الجابر في قصر نايف للتشاور معه وطلب السلاح والاذن للقتال وقد اعتذر الشيخ احمد الجابر للاكتفاء بما هو موجود من المقاتلين، ولما اصروا عليه قال لهم الحقيقة مخاطبا القزويني: «يا سيد انك تعلم ان الاخوان يكفروننا ونحن على مذهب اهل السنة فإذا ما علموا بخروجكم الى قتالهم وانتم على مذهب الشيعة فيزيد هذا من حماسهم وتتعقد علينا وعليكم الامور، فتم الاتفاق على ان يتولى الكويتيون الشيعة حراسة المدينة وكان يوسف النكاس (شيعي) من الذين يزودون المحاصرين بالجهراء بالاطعمة التي كانوا ينقلونها بالسفن الى هناك.. وقيس على ذلك معارك هدية 1910 وحمض والرقعي 1928.

٭ بناء السور: تعاون الكويتيون في بناء اسوار وطنهم ضد الاعداء وتقاسموا العمل وكان اغلب من بنوا السور الاول كانوا من اهل الاحساء والبحرين وكان يطلق عليهم «الاستاذية»، وقد ساهم الشيعة في بناء السور الثالث في الجزء الممتد من دروازة البريعصي الى دروازة دسمان وكان محل انطلاقهم من الحسينية الخزعلية بقيادة السيد سيد مهدي القزويني وكان هناك فريق آخر بقيادة الميرزا علي الاحقافي ينطلقون من الحسينية الجعفرية وأكملوا البناء حتى الجزء الاخير، وكان احد افراد آل معرفي مسؤولا عن تموين وتجهيز مواد البناء وتوصيلها الى مواقع العمل، علما بأن معظم العمل انجز خلال شهر رمضان المبارك.

٭ سنة الهيلق: وذلك 1868 حيث حدثت مجاعة شديدة واختفت اهم المواد الغذائية من الاسواق وصار الناس تتساقط من الاعياء وامتلأت الطرق والمساجد من القادمين من البادية ومن سواحل فارس، فهب تجار الكويت للنجدة ومد يد العون والمساعدة ومن ذلك الحاج عبدالنبي معرفي الذي فتح مخازنه من التمر والدبس للناس وكان يوسف البدر ويوسف الصبيح يعدون موائد الطعام للفقراء وكان محمد المحميد يطعم كل يوم عشرين شخصا، حيث استمرت هذه المحنة حتى 1871.

ولعل مقام المقالة لا يتسع للنماذج الكثيرة الاخرى من التعاون والتعاضد الوطني مثل انشاء الحسينيات والمساجد وحملات الحج مثل تعاون حملة الحاج ملا رضا مع حملة الحاج سليمان المرشود في قافلة واحدة. وكلها تؤكد على وحدة وتعاون وتعاضد اهل الكويت منذ نشأتها الاولى سنة وشيعة، وحضر وبدو، عوائل وحكام من آل الصباح «وكلهم كرام» وقد تكرر هذا المشهد الوطني الرائع أثناء محنة الغزو الصدامي 1990، فهل نحتاج الى محنة اخرى حتى يستفيق الآن بعض الغافلين منا!

السابق
تواصل التحضيرات لقمة بكركي
التالي
الرقص على وقع قصف الـ”ناتو”: الإعلام العربي والثورات