خليج أوسط جديد

امتلأت قاعات الرخام الفخمة المجلوة في فندق "ريتس كاريلتون" عند ظاهر الدوحة عاصمة قطر بنشاط جاد غير عادي بالنسبة لفندق فخم اعتاد ان يستضيف احتفالات جماعية. فعشرات الدبلوماسيين الغربيين الذين يلبسون البدلات والساسة والموظفون العرب الذين يلبسون العباءات والكوفيات، ورجال الامن من كل نوع ممكن ومفوضية متواضعة نسبيا لوسائل الاعلام الدولية، اجتمعوا يوم الاربعاء الماضي في اول لقاء لـ "مجموعة الاتصال بليبيا"، وهي جسم تم انشاؤه لتنسيق جهود الجماعة الدولية لخلع نظام القذافي وانهاء الحرب الأهلية في تلك الدولة.
شارك في اللقاء العاجل قادة حركة التمرد الشعبي الليبي حين جاءوا مباشرة من بنغازي والى جانبهم الأمين العام للامم المتحدة وطائفة من وزراء الخارجية من دول الخليج العربي ومن الغرب، بل جاء وزير الخارجية الالماني، غيدو فسترفيلا برغم ان المانيا لا تؤيد التدخل العسكري الدولي في ليبيا.
في مقابلتهم فضلت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون الابتعاد عن المؤتمر وان تهبط في قطر بعد ذلك بيومين فقط في نطاق دولة خاصة لها في الشرق الاوسط – وهذا شاهد آخر على سياسة الادارة الامريكية المترددة التي لم تقرر بعد ما هو موقفها من الاحداث التاريخية في ليبيا وفي سائر الدول العربية.
بدا الجو المريح في المباحثات مقطوعا تماما عن الواقع الدامي في ليبيا بل عن التصميم اللغوي للاعلان الختامي الذي عبر عن تأييد لا لبس فيه للمعارضة وقرر ان القذافي ونظام حكمه "فقدا كل شرعية". والمشكلة ان الاعلانات التي لا لبس فيها ربما تكون كل ما تستطيع الجماعة الدولية احرازه الآن.
"ليس واضحا على العموم هل توجد سبيل لتحقيق الالتزامات للمعارضة الليبية على نحو جدي"، قدر على مسمعي دبلوماسي غربي، "لكن كان من المهم للقطريين استضافة هذا المؤتمر. هذا كل ما يهمهم: ان يظهروا الحضور والتأثير في ظاهر الامر في الساحة الدولية. وهم مستعدون لاستضافة كل مؤتمر دولي يُمكّنهم من ان يقنعوا، وأن يقنعوا أنفسهم خاصة، بأن لهم مكانة. أما نتائج هذه المؤتمرات فأقل أهمية".

قطر: حياة لهو ومتعة
ليست الايرادات الضخمة وحدها من حقول الغاز والنفط هي التي مكّنت قطر من ان تصبح في غضون أقل من عشرين سنة دولة لا يمكن تجاهلها. فقد نجحت عائلة الأمير خليفة الثاني في ان تصوغ لقطر صورة ولد مدلل يركل في كل اتجاه لكن لا يمكن وقت الحاجة تدبير الامور من غيره.
طوروا اللعبة المزدوجة لتصبح فنا. وشجع القطريون بواسطة برامج "الجزيرة" – وهي ذراع غير رسمية لوزارة الخارجية القطرية – مدة سنين انتقادا على أكثر نظم الحكم العربية، لكن عندما أُغلقت مكاتب هذه المحطة ذات الشعبية في دول عربية مختلفة، لم تتضرر لسبب ما العلاقات الطيبة بين تلك الدول وقطر. ولا يوجد للقطريين ايضا مشكلة في تشجيع التحريض على اسرائيل برغم العلاقات بين الدولتين، وتوثيق التعاون مع ايران.
بيد ان هذا الاتصال بايران هو كما يبدو خطوة واحدة زائدة وتتعلم الادارة القطرية في هذه الايام ان هناك حدا ايضا للبهلوانية الدبلوماسية المسموح لهم بها. سوغت قطر حتى الآن توجهها المهادن نحو طهران بضرورة استراتيجية: فالدولتان تتقاسمان أحد حقول الغاز الطبيعي الكبرى في العالم تحت مياه الخليج العربي – الفارسي. وكل توتر قد يجعل ايران تخطو خطوات عسكرية تضر بقدرة قطر على استغلال حقل الغاز الضخم هذا.
هذا هو التفسير الرسمي، لكن الحقيقة هي ان القطريين يستمتعون ببساطة باثارة غضب جارتيهم المباشرتين: السعودية والبحرين. فهم لم يلعبوا بحسب نفس قواعد سائر دول الخليج الى ان جاء الزلزال السياسي الذي أصاب البحرين قبل شهر، آنئذ دُعيت قطر الى النظام.
إن تحدي الأكثرية الشيعية الجماعي في البحرين لسلطان العائلة المالكة، ووقوف ايران الى جانب المعارضة البحرينية، واستدعاء قوات عسكرية – سعودية في الأساس – للمساعدة على القمع العنيف للعصيان المدني والتصريحات القتالية التي جاءت من طهران قد جعلت قطر تحت أداة ضغط لم يسبق له مثيل من قبل السعودية. طُلب اليهم ان ينزلوا عن الجدار وان يقفوا الى جانب اخوتهم العرب والسنيين في مواجهة طائفية للايرانيين والشيعة – مواجهة قد تتطور في كل لحظة لتصبح حربا حقيقية.
"كان يمكن ان نشعر فورا بنتائج الضغط السعودي وتغيير السياسة في بث "الجزيرة" بالعربية"، يقول رجل اعمال قطري. "انقطع البث من البحرين دفعة واحدة ولا يوجد اليوم تقارير من هناك تقريبا. لا يتحدثون عما يجري هناك. في مقابلة ذلك زادت على نحو كبير التقارير الصحفية عن المظاهرات على النظام السوري حليف ايران.
"الشعور العام هو ان الادارة هنا وفي سائر دول الخليج تفضل ان تشغل نفسها بازمات بعيدة عنا – ليبيا واليمن وسوريا – لا في الارض التي تشتعل تحت أقدامهم. لا يحب القطريون اظهار الخوف نحو الخارج لكنهم يخافون الجميع. وخوفهم الرئيس اليوم هو من الايرانيين".
في اطار سياسة الكبت، يواصل القطريون ببساطة حياتهم الطيبة مع تجاهل الحريق حولهم كما فعلوا في جميع الازمات التي أصابت منطقة الخليج في الثلاثين سنة الاخيرة، فمراكز الشراء الضخمة مليئة بالزوار، والمطاعم الفاخرة في شارع "سوق الواقف" الرئيس – وهي السوق القديمة في الدوحة التي رُممت وأصبحت مركز حياة ليلية – مشحونة بطاعمين ومدخني نرجيلات. وماذا يعنيهم ان تكون الدوريات البحرية على مبعدة أقل من ساعة طيران من هنا على طول سواحل السعودية قد زيدت خوف هجوم ايراني. وماذا يعني ان تكون البحرين موجودة تحت وضع طواريء وطني. قطر تعيش في كون موازٍ.
يصعب تصديق هذا شيئا ما، لكنه في هذه الدولة الثرية جدا، ثلاث عائلات من كل اربع تغرق في ديون باهظة. "الناس هنا يعيشون فوق قدراتهم المالية"، يقول موظف حكومي. "انهم تحت ضغط اجتماعي لاظهار الثراء، يأخذون قروضا ويشترون السيارات الأحدث والنظارات الشمسية الأغلى. لم يشعروا حتى الآن بالحاجة الى محاسبة أنفسهم أو تقديم حساب لآخرين، لكن هذا الوضع سيبدأ في التغير قريبا. فالمصارف تخطط للكف عن منح اعتماد سخي الى هذا الحد".
أخذ رجال اعمال يبلغون في الحقيقة عن تباطؤ ما لزخم البناء في الامارات. لكن يصعب على السائح الذي يأتي اتفاقا ان يصدق. وما تزال تنمو ناطحات السحاب الحديثة في المدينة في حي الاعمال في الخليج الغربي للدوحة. يوشك مشروع ترميم المدينة القديمة ان ينتهي مثل مشروع "اللؤلؤة"، وهو مجمع سكني وأعمالي فاخر بُني على ارض صناعية شمالي الدوحة، وانشاء القرية الثقافية "قطرة"، التي تشتمل على استاد ضخم ودار أوبرا ومتاحف كثيرة ومؤسسات موسيقية ومسرح.
واذا لم يكن هذا كافيا فقد بدأوا هنا الاستعداد لاستضافة كأس كرة القدم العالمي في 2022. كانت قطر أول دولة عربية تستضيف العاب كأس العالم لكرة القدم وهذا عند القطريين أعظم من كل نصر عسكري. عُلقت في كل ركن تقريبا لافتات عليها صور الأمير حمد ابن خليفة الثاني يلوح بعلم كأس العالم وكأنه قد سجل هدف الفوز هذه اللحظة في اللعبة النهائية.
تخطط حكومة قطر لصب كميات ضخمة من المال على بناء البنية التحتية لاستضافة المونديال. بل يدور الحديث عن نقل مركز الشراء الكبير في الدولة "فيلاجيو" الذي بني مثل مدينة اوروبية تبحر في قنواتها قوارب الجندول، الى موقع آخر للتمكين من انشاء استاد مركزي. ليس عجبا ان يفضل القطريون مع خطط كهذه للمستقبل ان يدفنوا رؤوسهم في الحشائش الصناعية من نوع فاخر على النظر الى ما يحدث خارج حدود شبه جزيرتهم.
البحرين: الحلم وانهياره
مر شهر منذ قررت حكومة البحرين التي يرأسها منذ اربعين سنة عم الملك حمد ابن عيسى آل خليفة، الشيخ الصارم، أن تسحق حركة العصيان المدني، الشيعية في أكثرها وان تمحو من فوق الارض "ميدان اللؤلؤة"، الذي تحصن فيه آلاف المتظاهرين الذين طلبوا اصلاحات ومساواة في الحقوق. جعلت السلطات البحرين منذ ذلك الحين دولة شبه مغلقة تماما والمعلومات التي تتسرب من هناك الى الخارج مقلقة جدا.
تتحدث عناصر معارضة شيعية عن هدم مساجد ومراكز صلاة واجتماع شيعية. "يرون مساجدنا قذى مطلقا في أعينهم"، يقول رجل معارضة بحريني. ويُعتقل مئات من نشطاء المعارضة، فريق منهم في ظروف صعبة جدا. نعلم حتى الآن عن اربعة معارضين للنظام لقوا حتفهم في المعتقل بينهم كاتب البلوغات الشيعي زكريا رشيد العشيري.
زعمت السلطات في البحرين ان العشيري توفي بسبب تعقيد طبي يتعلق بمرض في الدم. تشير صور للجثة نشرت في الانترنت الى اتجاه تعقيد طبي يتعلق بأعمال تعذيب شديد. وكذلك ايضا كريم الفخراوي – منشيء صحيفة المعارضة الرئيسة والشعبية "الوسط" الذي مات في المعتقل بعد يوم من اعتقال السلطات له. وما يزال منصور الغمري المحرر الرئيس للصحيفة اليومية الذي حُظر نشاطه معتقلا.
لم تشعر وسائل الاعلام البحرينية وحدها بعبء القمع الشديد. فقد أقالت وزارة الصحة المحلية عشرات الاطباء والممرضات الذين تم اتهامهم بمساعدة المتمردين والمشاركات "في اعمال جنائية" لانهم منحوا المتظاهرين الذين أُصيبوا في المواجهات مع قوات الامن علاجا طبيا. وتوجد تقارير عن اعتقال متظاهرين جرحى في المستشفيات. وقد أُبعد 150 رياضيا ومدربا عن كل نشاط رياضي لتعبيرهم عن تأييد المعارضة. ودُعي طلاب جامعيون شيعة يدرسون في الخارج شاركوا في المظاهرات على حكومة البحرين فورا للعودة الى بلدهم بعد ان قُطع عنهم الدعم المالي الحكومي.
رجعت حكومة البحرين هذا الاسبوع عن نية اخراج حزب المعارضة الشيعي الرئيس "الوثاق" خارج القانون بفعل ضغط امريكي كما يبدو، لكن السلطات في المملكة ما تزال تنوي بدء اجراءات قضائية على الحزب الديني الاكبر في الدولة الذي له 18 نائبا من بين اعضاء مجلس الشعب الـ 40.
تسوغ سلطات البحرين قمع حركة الاحتجاج الشعبي القوي بزعم انها أداة في يد النظام الايراني الذي يريد ان ينشيء في البحرين جمهورية خمينية. وكشف البحرينيون ايضا عن شبكة تجسس ايرانية عملت في الدولة في السنين الاخيرة، ولكنهم امتنعوا حتى الآن عن مواجهة ايران وجها لوجه، لكن التأييد القاطع الذي يحصلون عليه من السعوديين يُمكّنهم من فتح صندوق بندورا الايراني الذي يهدد دول الخليج كلها.
"كانت البحرين مشهورة بأنها واحدة من اكثر الدول تطورا في الخليج"، يقول عنصر رسمي مقرب من الادارة، "كانت عندنا حرية تعبير وبدأنا تطبيق اصلاحات سياسية وكنا في ذروة مسيرة ديمقراطية. لكن المعارضة رفضت التعاون. بعد بدء الازمة الحالية، عبّر ولي العهد عن استعداد للقاء قادة المعارضة لاجراء حوار مفتوح في مطالبهم، لكنهم رفضوا وتطرفوا في مطالبهم الى درجة رفض العائلة المالكة. وكان هذا كثيرا جدا".
عرفت البحرين اضطرابات مدنية في الماضي، لكن حكامها السنيين لم يشعروا قط بهذا التهديد كما في الاشهر الاخيرة. الشيعة 75 في المائة من سكان المملكة، وهم مُقصون عن أكثر الوظائف العامة ولا يتمتعون بغنى الدولة. وفي السنين الاخيرة طرأ ارتفاع متصل ايضا على عدد العمال الاجانب في البحرين. تتهم المعارضة الشيعية التي تمثل في الاساس سكانا أفقر السلطات بنشاط متعمد لتغيير الميزان السكاني في الدولة لمنح السنيين جنسية معجلة واستيراد عمال من دول غير مسلمة.
العراق: الديمقراطية أمر معقد
هددت موجات التمرد الشيعي في البحرين باغراق جارات المملكة السنيات حيث يسكن قلة من الشيعة يشكون ايضا من عدم المساواة السياسي وعدم العدل الاجتماعي. ولهذه الأقليات علاقات وثيقة جدا مع ايران لكن احتجاجها الاجتماعي يتلقى الهاما أكبر مما يحدث في السنين الاخيرة في العراق. اذا كانت دول الخليج السنية قد استطاعت في الماضي الاعتماد على قوة العراق لانشاء ميزان ردع لايران الشيعية ففي الواقع الجديد الذي ليس فيه صدام حسين وفي ذروة مسيرة ديمقراطية ناجحة جدا، يستطيع ملوك وأمراء شبه الجزيرة العربية الاعتماد على أنفسهم في الاساس وعلى تأييد الولايات المتحدة – عندما تعرف هذه الاخيرة ما تريد. لانه في العراق الجديد يوجد للاكثرية الشيعية في الدولة رأي في تشكيل صورة الدولة والسياسة الخارجية.
جرب رئيس حكومة العراق الشيعي نوري المالكي على جلده القمع السني في ايام صدام إذ كان عضوا نشيطا في حركة "الدعوة"، التي كانت محظورة تحت نظام حكم البعث. وبعد ان كُشف عن عضويته في الحركة في نهاية السبعينيات نجح في الهرب وسكن في دمشق في البداية ثم انتقل ليسكن في ايران. وقد عمل في منصبه الحالي في مقاربة طهران سياسيا. يرى عبد الله ملك السعودية المالكي عميلا ايرانيا، وقد قال الملك الشيخ المريض لمسؤولين امريكيين كبار في احاديث مغلقة انه لا يثق برئيس الحكومة العراقي.
في منتصف الشهر القادم يفترض ان تستضيف بغداد لاول مرة منذ 21 سنة، لقاء قمة الجامعة العربية – وهو اول لقاء في نوعه بعد حربي العراق – لكن عقده مشكوك فيه الآن لانه ليس واضحا أي القادة سيأتون، ولان عددا من قادة الشيعة العراقيين يطلبون دعوة ممثلين لمجموعات معارضة شيعية من دول المنطقة.
يتلقى الشيعة في دول الخليج الهاما ايضا من الواقع الجديد في لبنان، حيث يرسخ حزب الله مكانته باعتباره الجهة السياسية الاعظم شأنا. ان وقوف حسن نصر الله الى جانب المتمردين في البحرين وفي معارضة التدخل العسكري السعودي، قد بعث حكومة البحرين على ان تطرد عنها عشرات اللبنانيين والعراقيين والباكستانيين وأكثرهم من أصل شيعي. وتم وقف الرحلات الجوية المباشرة الى لبنان والعراق خشية ان تستغل لنقل الدعم والداعمين للمعارضة الشيعية، ولقبت السلطات البحرينية نصر الله "زعيم منظمة ارهابية" واتهمت حزب الله بمنح نشطاء معارضة شيعة تدريبات عسكرية.
ايران: ماذا يضرنا
الايرانيون بطبيعة الامر هم الأشد استمتاعا بهذه الفوضى كلها، وهم الذين يحصلون على اوكسجين حيوي جدا للبقاء وعلى أمل تغيير استراتيجي لتقاسم القوة الحالية في منطقة الخليج. لا يوجد كالتلويح بـ "اضطهاد الاخوة الشيعة" وبالتهديد العسكري الخارجي لضمان الوحدة حتى ولو بين مؤيدي نظام الحكم، ولا يوجد كالغليان الشيعي لاضعاف سيطرة الولايات المتحدة على السواحل الغربية للخليج الاستراتيجي، ولهذا يسهم الايرانيون فرحين بنصيبهم في التوتر المتصاعد. إن سفارة السعودية في طهران ومفوضياتها في مشهد هوجمت بزجاجات حارقة على أيدي مشاغبين محرضين أرادوا ان يعلقوا على مداخل المباني علم حزب الله. ودعا رئيس الاركان الايراني، حسن فيروز أبادي، جيش البحرين الى طرد الجيش السعودي من الجزيرة. "يريد الشعب البحريني المسلم ان يحرر نفسه من الطغاة ومن السلطة الامريكية والصهيونية"، قال أبادي، "لا يمكن المس بالتكافل الاسلامي بواسطة سلاح امريكي وبريطاني وصهيوني".
وأضاف زعيم كتلة مؤيدي احمدي نجاد في مجلس الشعب الايراني، روح الله حسينيان، زيتا على النار حينما دعا حكومة ايران الى اعداد الجيش للحرب. "يجب علينا ان نأخذ بموقف أكثر حزما إزاء ارسال القوات العسكرية السعودية الى البحرين، لا يجوز لنا تمكين الحدود السعودية من الاقتراب منا"، أعلن حسينيان الذي يُعد واحدا من مستشاري الرئيس الايراني الأقرب.
في الجزء السني من الخليج العربي – الفارسي يرون بطبيعة الامر النفاق الايراني الذي وقف على نحو مطلق الى جانب نظام الحكم السوري في مقابلة دعم حركات الاحتجاج في دول الخليج. يقول صحفي سعودي "هذه نكتة محزنة، يبدو ان ايران لم تنتبه الى ان المواطن العربي البسيط شبع شعارات مزيفة كاذبة.
"إن الحركة التي تجري في العالم العربي تبعثها مطالب داخلية ووطنية. عن أي مقاومة لاسرائيل يتحدث الايرانيون؟ فسوريا لم تقتل حتى عصفورا واحدا في معركة مقاومة اسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود. وعندما يهاجم الاسرائيليون اراضيهم لا يرد السوريون. وسلاح حزب الله موجه على أهل السنة في لبنان. بلغنا وضعا يُعين فيه حزب الله رئيس حكومة لبنان السني وتقمع حماس المتظاهرين عليها في غزة.
"ولم تطلق ايران نفسها قط رصاصة واحدة للدفاع عن دم عربي. ما زلنا جميعا نذكر دعوة خامنئي للايرانيين الى الخروج الى غزة بعد حرب "الرصاص المصبوب" وكيف تدفق جمهور من الايرانيين الى هناك".
تشير دول الخليج العربية إزاء الغليان الشيعي فيها الى ازدياد الاحتجاج الداخلي في ايران والى ان كبار مسؤولي النظام الايراني بدأوا يهربون اموالا الى حسابات مصرفية في دول آمنة كتركيا واندونيسيا وماليزيا خشية ان تكون موجة الثورات تقترب سريعا من ايران.
اسرائيل: الرصاصة والشرير
من المتنزه الطويل الذي يصل الدوحة القديمة بحي الاعمال العصري، يخرج الى مياه الخليج العربي – الفارسي مبنى كثير الزوايا الحادة يشبه هرما مركبا من مربعات – هذا هو "متحف الفن الاسلامي" الذي صممه مهندس العمارة الامريكي الصيني، إيو مينغ بي (مصمم "هرم اللوفر" في باريس). وعلى مبعدة بضعة عشرات من الامتار عن هناك انشيء مبنى كبير مجرد يشبه حاوية هو المسكن المؤقت للمتحف القطري للفن العربي الحديث. لن يعجب بعض ما يعرض هناك وفي ضمنه اجسام عارية جزئيا لرجال وعلاقة حميمة بين الجنسين، مؤمنين مسلمين أتقياء. لكن هذا هو الوجه الذي يعنى حاكم قطر الامير آل الثاني وزوجته النشيطة الشيخة موزة بأن يمنحاه لبلدهما. من جهة اعتراف من جديد بغنى الحضارة الاسلامية واسهامها الكبير في الحضارة البشرية. ومن جهة ثانية وعي ان الاعتماد على أمجاد الماضي لن يقود العرب والمسلمين الى الأمام. تحاول قطر استغلال غناها لاحداث ابداع عربي ومسلم جديد وعصري.
"ليسا وحدهما معنيين بهذا"، يقول رجل اعمال قطري، "لكن المشكلة الكبرى لنظم الحكم في دول الخليج هي ان سكانها أكثر محافظة منها. اذا حدث تغيير سياسي في هذه الدول فسيكون نحو اتجاه أكثر تطرفا. تسير نظم الحكم في دول الخليج فوق حبل دقيق جدا. كان ملك البحرين يُعد حتى المدة الاخيرة أملا ديمقراطيا كبيرا. ويحاول عبد الله ملك السعودية الذي ضعفت صحته جدا ان يقود اصلاحات في بطء لكن الذين يتحدون قيادته يأتون من تيارات مسلحة.
"المعارضة السياسية في دول الخليج هي اسلامية في اكثرها. فالتيارات العلمانية والليبرالية ليست ذات شأن. والجماهير في مصر ايضا غير مستعدين للديمقراطية. حتى لو كان في ميدان التحرير ثلاثة ملايين متظاهر – وفيهم بالمناسبة اخوان مسلمون كثيرون – فما هي نسبتهم من 80 مليون مواطن مصري؟ إن أكثر الشعب المصري بلا فهم ووعي سياسيين أساسيين، لا هكذا ينشئون الديمقراطية فهي مسار طويل جدا. أنا أتفهم المعارضة المصرية التي تخشى اضاعة الوقت والزخم، لكن حركة سريعة جدا لن تخدمهم بل ستخدم أعداء الديمقراطية".
لا تُنسى اسرائيل بطبيعة الامر في هذه الدوامة كلها. فبرغم الدعاوى عن شراكة استراتيجية بينها وبين دول الخليج لمجابهة التهديد الايراني ما تزال اسرائيل هدفا لهجمات الشعب. فالتوتر المجدد حول قطاع غزة أثار التنديد باسرائيل فقط، وكان ذا حضور في جلسات الحكومات وكان سببا لنشر رسوم كاريكاتورية مليئة بالشتائم والدم. هناك كتاب جديد يباع كثيرا في حوانيت الكتب وهو ثلاثة مجلدات عنوانها "الرصاصة والشرير"، تفصل جميع اعمال القتل السياسي التي نفذتها اسرائيل في أعدائها الفلسطينيين ومنهم نشطاء منظمات ارهاب ايضا قتلوا في معارك مع جنود الجيش الاسرائيلي.
لكنه لم يزل غير قليل ممن حادثوني يتحدثون عن ظن شعبي يقول ان هذه الهجمات تخفي تعاونا أخذ يزداد وثاقة خاصة. وتوجد ايضا اشاعات هاذية فحواها ان اسرائيل و"الجزيرة" تعملان معا لاحداث الفوضى الحالية في العالم العربي. لم يكن الخيال الخصب قط مشكلة في دول الخليج. الامر المؤكد هو ان قرار اسرائيل على ان تبيع المبنى الذي كانت فيه في الماضي مفوضيتها في قطر، هو بالنسبة للقطريين صفق للباب ذو شأن في وجوههم.

السابق
ما عادوا أحراراً
التالي
كنائس صور أحيت يوم الجمعة العظيمة