الحكومة غير قريبة، وغليان المنطقة قد يشظّي لبنان

بين التفاؤل المفرط والحذر في التفاؤل، تتأرجح أجواء التشكيلة الحكومية، ويحتار الزائر المتنقل في الأيام الأخيرة بين القصر الجمهوري وعين التينة وفردان إلى مدى الاختلاف في الانطباع بين المقارّ الثلاثة، والذي يخرج به عن أجواء الحكومة.

في مكتب الرئيس المكلف حذر من الالتزام إزاء موعد للولادة الحكومية، وإن كان الجو يوحي بارتياح الرئيس نجيب ميقاتي الذي تحدثت أوساطه عن إحراز تقدم في المفاوضات مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، والذي حسب المعلومات، وافق على حصة وزارية من عشرة وزراء يكون للنائب سليمان فرنجية وزيران فيها، على أن يحصل عون على 8 حقائب ووزيري دولة. وتركت حصة النائب طلال إرسلان مستقلة عن حصة الجنرال.

أجواء التقدم هذه تزامنت مع الزيارة الأخيرة لشقيق الرئيس المكلف طه ميقاتي الى دمشق، التي تردّد أنها باتت تدعو الى الاسراع في تشكيل الحكومة والعمل على تخطّي كل العقبات، لأنّ الأمور لم تعد تحتمل أي تأخير.

الأجواء نفسها سرت في عين التينة، إذ تؤكد أوساط الرئيس نبيه بري أن أسباب تفاؤله تستند أولا الى الحاجة الملحّة في البلاد وما يحيطها لتشكيل حكومة، وثانيا الى ما توصلت اليه الاتصالات في الساعات الـ24 الأخيرة مع الرابية بعد عودة الوزير جبران باسيل من روما، والتي أفضت الى شبه تفاهم على عقدة وزارة الداخلية على قاعدة طرح مجموعة من الأسماء يقوم رئيس الجمهورية أو الجنرال عون بالاختيار من بينها، لكنّه لم يتم الاتفاق بعد مَن منهما يسمّي الأسماء، ولمن يترك قرار الفيتو عليها. وتكشف مصادر مواكبة لعملية التأليف أنه، وعلى رغم المواقف المعلنة، فإن أحدا من حلفاء عون لا يريده أن يحصل على حقيبة الداخلية؛ هم يتحججون برئيس الجمهورية ويتلطون خلفه وهو يتمسك بالحقيبة ويصرّ عليها!

أوساط الرئيس بري من جانبها، لم تخف وجود مشاكل في الحقائب الاخرى ولا سيما الخدماتية منها، والتي يتسابق، كل طرف لكسبها، إلا أن مشاكلها لن تكون كبيرة، حسب هذه الاوساط التي تكشف عن إمكانية تبادل الحقائب في ما بينها، والأمور مفتوحة في هذا الاطار. وفي السياق نفسه، تتحدث معلومات عن شهية مستجدة للجنرال على وزارتي الصحة والتربية، يقابلها إصرار للرئيس بري للحصول على حقيبة الطاقة عشية مشاريع التنقيب عن النفط، فيما تطالب أوساط رئيس المجلس باعتماد المنطق نفسه المعتمد في توزيع الحقائب السيادية الأربع.

بعيدا من فردان وعين التينة، تبدو الصورة في قصر بعبدا مختلفة…

رئيس الجمهورية يلتزم الصمت… أما زواره فيخرجون بانطباع يوحي بأن الحكومة لا تزال بعيدة، والأسباب المعلنة أن التشكيلة لا تزال في مربعها الاول، ولم يحصل جديد حتى الآن، إذ إن رئيس الجمهورية لا يزال مصمما على عدم توقيع تشكيلة حكومية "كيف ما كان" أو لا تضم في وزارة الداخلية من يسمّى عليه… وله أسبابه.

زوار بعبدا يستذكرون مرحلة اتفاق الدوحة ليؤكدوا أن رئيس الجمهورية لم يطلب يوما حقيبة الداخلية، بل إن المجتمعين عادوا وقتها من العاصمة القطرية باتفاق مزدوج على رئاسة الجمهورية والتشكيلة الحكومية، فحصل الرئيس ميشال سليمان قبل أن ينتخب على حصة وزارية ثلاثية هي حقيبتا الدفاع والداخلية وأخرى وزارة دولة. وحرص المجتمعون في الدوحة، في رعاية أمير قطر، على إبقاء الحقيبتين الامنيتين في عهدة رئيس الجمهورية التوافقي وفي الاطار الوسطي بعيدا من الانقسام الحاصل في البلد.

أما وقد استمر الانقسام وبات الاصطفاف واضحا أكثر فأكثر، تبقى الحاجة ملحّة الى إبقاء الوزارتين اللتين تعنيان بالأمن، ولا سيما الداخلية، في يد رئيس الجمهورية الذي يقف على مسافة واحدة من الفريقين المتنافسين في البلد، كما أن هناك رغبة في عدم الخروج عن اتفاق الدوحة ومنح وزارة الداخلية الى طرف معيّن من الاطراف الداخلية، لأن ذلك سيشكل ولا شك استفزازا للفريق الآخر الذي يمثل نصف الشعب اللبناني، وأبعد من الوضع الامني تبقى الانتخابات النيابية المقبلة سببا إضافيا يستوجب ابقاء حقيبة الداخلية في الوسط… لكن من يقول إن تخلي رئيس الجمهورية عن الداخلية قد يفرج عن التشكيلة الحكومية؟

في أي حال، مهمة التشكيل أخذت فترة استراحة مع عطلة عيد الفصح، والأسبوع المقبل مفصلي في مصير الحكومة. وفي الانتظار غليان في المحيط قد لا يسلم لبنان من شظاياه

السابق
د.ناصر ابوخليل: أمراء بلا مواطنين
التالي
ساطع نور الدين: الغلاء يسقط الأنظمة