من يدعم من: الأسد أم حزب الله؟

مَن يدعم مَن: نظام الرئيس بشار الأسد هو الذي يدعم "حزب الله"، ويوفر له وصول الإمدادات اللوجستية، ويؤمن الأرضية السياسية والأمنية التي تتيح له أن يكون الاقوى على الساحة اللبنانية؟ أم ان حزب الله هو الذي يدعم نظام الرئيس الاسد، بتشكيل ظهير قوي بترسانة صاروخية هائلة، هي في الوقت عينه ذراع للمقاومة ضد اسرائيل، واحتياطي جاهز للدفاع عن الحليف الاقليمي الاقرب؟

إنها علاقة دعم متبادلة على الأرجح. في الظروف العادية يكون "حزب الله" هو المتلقي للدعم. ولكن في ظروف مصيرية كالتي تمر بها الانظمة وربما الخرائط في المنطقة، تتقارب المعادلة بين الداعم والمتلقي. وربما يبدو الرئيس الاسد في حاجة اليوم، ليس الى اعلان "حزب الله" وسائر حلفائه دعمهم له فقط، بل سائر القوى الداخلية اللبنانية. يريد ان يكون ذلك رسالة الى الداخل السوري، ولا سيما السنّي، كما الى القوى الدولية.

ارتباك في الأيام الأُوَل

الذين يتحركون على خط دمشق نقلوا منذ الايام الأُوَل، استياء سوريّا مباشرا من الصمت الذي يظهره العديد من القوى الداخلية اللبنانية ازاء التطورات. لم يقتصر الامر على فريق 14 آذار و"تيار المستقبل"، وذلك غير مستغرب، بل المستغرب هو ان اي صوت داعم للقيادة السورية لم يصدر عن اركان الدولة اللبنانية، برئيسها والرئيس المكلف، وحتى الحلفاء الذين بدوا وكأنهم في حال ترقب. وكان عليهم – وفقا للمصادر عينها – أن يظهروا انهم هم "أم الصبي" ازاء ما يجري في سوريا.

ولا تنفي اوساط في 8 اذار وقوعها في الارتباك في اللحظة الاولى، اي عند وقوع الحوادث في درعا. وتبرر ذلك بأنها كانت تتوقع تطويق الوضع سريعا. كما أنها انتظرت حصول تنسيق مع القيادة السورية في هذا المجال. وهذا ما حصل، عندما رسمت القيادة السورية خطة مواجهة للتطورات بعد شمولها مدنا ومناطق عدة وحساسة.

السفير في صورته "الجديدة"

لذلك، نزل حزب الله وسائر حلفاء سوريا في لبنان الى الميدان اخيرا، دفاعا عن النظام. والمهرجان التضامني الذي انعقد الاثنين في فندق "كومودور"، في حضور السفير السوري علي عبد الكريم علي، فتح المعركة على مصراعيها. وتوّج السفير علي فيه صورته "الجديدة" التي تخلّى فيها عن تحفظاته الديبلوماسية التي التزمها حتى اليوم في بيروت. فهو في الايام الاخيرة بدا متشددا. المرحلة فرضت عليه ذلك.

خلع السفير السوري ربطة العنق الديبلوماسية، لأن المرحلة هي للميدان لا للأروقة والمحافل والمناسبات الاجتماعية. وجلس بين "رفاق" الحلف الواحد يشدّ على ايديهم، وهم يعلنون انطلاق معركة الدفاع عن الحصن الاول والاخير لهذا الحلف.

اتهام الجراح وقائي

لبنان في ظل نظام قوي في سوريا شيء، وفي ظل نظام منشغل بنفسه شيء آخر. وفي ظل نظام آخر شيء مختلف تماما. وهذا الخيار الثالث لا يبدو واردا في الظروف الراهنة.

اللبنانيون يدركون ذلك، والسوريون. وحتى مصادر 14 آذار تتحفظ عن إبداء آراء في هذا المجال. ويقتصر خطابها السياسي على تكرار التزامها ثوابت معينة: عدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية بين البلدين، وترك كل من الشعبين يختار بملء إرادته ما يراه مناسبا ضمن المعايير الديموقراطية. وهذا الموقف تؤكد المصادر انه ليس للمناورة. فالغرق اللبناني في وحول سوريا لن يكون اقل خطرا على لبنان من الغرق السوري في الوحول اللبنانية على مدى عقود.

وفي رأي المصادر إن "الاتهام الإعلامي" لـ"تيار المستقبل" بالتورط في أحداث سوريا، يندرج في سياق هجوم وقائي على هذا التيار وسائر حلفائه. ويؤدي هذا الاتهام مفعوله على مستويات مختلفة: فهو يبرر حملة التصعيد التي يقوم بها حلفاء سوريا من جهة، والتي يمكن تثميرها في الاستحقاقات السياسية الداخلية، ومنها الحكومة والملفات المطروحة، وبينها السلاح.

كما انه يدفع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الى الخروج عن الجو التوافقي او الوسطي للانخراط في الجو الحليف لسوريا. وأما فريق 14 آذار، فقد يؤدي اتهامه الى ترهيبه وشل حركته السياسية عن طريق وضعه في موقع المتهم، بعدما كان حتى اليوم يوجه الاتهامات.

استياء… تمّت معالجته

وعبّر أقطاب في 8 آذار في مناسبات مختلفة عن استيائهم من رد فعل رئيس الجمهورية وميقاتي ازاء الوضع السوري. ولم يقنعوا بإعلان الرئيس سليمان عن اتصال تضامني مع نظيره السوري في الايام الأُوَل للتطورات. لكن سليمان بدا في الايام الاخيرة اكثر اهتماما بهذا الملف. وتتوقع مصادر مواكبة قمة لبنانية – سورية في هذا الإطار، علما ان رئيس الجمهورية اتصل بالأسد امس الأول داعما، بعدما التقى قبل ايام الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني – السوري نصري خوري.

وفي اي حال، هنالك إحراج لبناني في التعاطي مع الملف الداخلي السوري. فالقوى اللبنانية على اختلافها، باستثناء الحلفاء المحسوبين مباشرة على سوريا، فضّلت عدم الدخول على الخط سلبا او ايجابا، لئلا يساء فهم موقفها، ويعتبر تدخلا في الشؤون السورية. فالقيادة السورية عينها لا تنكر مشروعية التحرك الشعبي للمطالبة بإصلاحات، وهي وعدت بتحقيقها.

"الصديق وقت الضيق"

كيف سيترجم حلفاء سوريا، وحزب الله في طليعتهم، دفاعهم عن النظام في دمشق؟

بين الرئيس بشار الأسد و"الحزب" تحالف وعهد بالدعم المتبادل. منذ اللحظة الاولى لوصوله الى الحكم في سوريا، استقبل الاسد موكبا كبيرا على اعلى المستويات في "حزب الله" جاء مهنئا. ولم تكن تهنئة "حزب الله" شبيهة بأي تهنئة اخرى، لبنانية أو سورية. فهي كانت مبايعة فعلية. وكانت رسالة الى الذين يعنيهم الأمر. وهذا العهد يترجمه "الحزب" اليوم، في "الحشرة" التي يحتاجه فيها نظام الرئيس الاسد.

بعض السيناريوهات المتداولة في اوساط 8 آذار يذهب الى توقعات حاسمة قد يعمد اليها "الحزب"، اذا ما تعرّض النظام في دمشق لضغط حقيقي. ومنها مثلا استعجال تأليف حكومة من لون واحد، برئاسة ميقاتي او سواه، والإمساك مباشرة بالوزارات والمواقع الأمنية. والهدف من ذلك هو "ضبط" مفاصل الوضع اللبناني لئلا يكون عاملا اضافيا من المتاعب السورية الداخلية.

الحكومة من جمعة إلى جمعة

"الحكومة لم تعد منتظرة اسبوعيا، من الاثنين الى الاثنين، بل من كل يوم جمعة الى يوم الجمعة الذي يليه". هذا ما يقوله مصدر سياسي، في اشارة الى الارتباط المباشر للملف الحكومي بملف الداخل السوري.

وسيعتبر "حزب الله" ان الفرص المعطاة للرئيس نجيب ميقاتي في سعيه الى "التأني" في تأليف الحكومة قد انتهت. ومن الطبيعي ان تكون وزارة الداخلية من حصة فريق 8 آذار لا سواه، لأن دورها سيكون كبيرا ومفصليا.

في حجم الصراع مع إسرائيل

ويؤدّي حزب الله دورا مهما عن طريق تجيير امكاناته اللوجيستية دعما لدمشق، وتزويدها ما تحتاجه من معلومات داخل الساحة اللبنانية. وفي ذلك، تتكامل جهوده مع جهود المؤسسات اللبنانية المختصة، انطلاقا من اتفاقات التعاون والتنسيق، وخصوصا ان اتهام قوى لبنانية بالتورط في الداخل السوري يبرر ذلك.

بعض المصادر يتوقع توسيع دائرة الاتهام السوري لاحقا، فلا تقتصر على النائب جمال الجراح. وثمة سخونة عالية جدا ستشهدها الساحة اللبنانية على خلفية هذا الملف، بعدما تراجعت اضطرارا ملفات اخرى كالسلاح والمحكمة الدولية، نتيجة بروز الملف الداخلي للأنظمة العربية على نحو طارئ.

ويصف احد المشاركين في لقاء "الكومودور" حدة المواجهة دفاعا عن القيادة السورية بأنها توازي حدة الصراع مع اسرائيل، لأن في الحالين دفاعا عن الممانعة. لذلك، الامكانات كلها ستكون في خدمة هذا الهدف في حال ظهور تهديد حقيقي لهذه القيادة.

أين تنتهي حدود المأزق في سوريا؟ وأين تبدأ الحدود في لبنان؟ تلك هي المسألة. والغموض في الاجابة عن هذا السؤال مردّه الغموض في ما ستؤول اليه حركة الزلازل في المنطقة.

السابق
أوباما على المسار الصحيح لانتخابات 2012
التالي
بري: اتمنى على عون ان يجد فتوى دستورية تتيح انعقاد مجلس النواب في جلسة تشريعية