الربيع العربي يوسّع الهوّة بين أميركا والسعودية

الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية ـ اللتان نجت علاقاتهما المتأزمة من الانهيار، بعد صدمات البترول، وهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، والاجتياح الأميركي للعراق ـ تسيران اليوم باتجاهين متعاكسين أكثر من أي وقت مضى في تاريخهما الحديث، كما يؤكد دبلوماسيون ومحللون، ومسؤولون أميركيون سابقون.
وهذا التباعد، الذي برز من خلال سلسلة من التوترات الدبلوماسية خلال الأسبوعين الماضيين، يمكن ان تكون له تداعيات عميقة على دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بالرغم من أن الرئيس باراك أوباما يحاول اللعب والمراوغة على الأحداث العربية الهامة الجارية من ليبيا إلى اليمن.

فالملكية السعودية، التي كانت هي أيضا ممتنعة عن إجراء إصلاحات ديموقراطية، كانت تراقب، بقلق شديد، قيام البيت الأبيض بمساندة الحركات العربية المعارضة، وبالمساعدة على الإطاحة بالرئيس المصري السابق، حسني مبارك، الذي كان حليفاً قوياً، لفترة طويلة من الزمن للولايات المتحدة.

ويوضح مسؤولون أميركيون وعرب، أن هذا القلق السعودي تحوّل إلى رعب عندما طلبت إدارة أوباما من الملك البحريني، المدعوم من السعودية، التفاوض مع متظاهرين يمثلون الأغلبية السكانية من الشيعة المسلمين. ففي نظر الحكام السعوديين السنّة، لا تمثل البحرين الشيعية سوى قاعدة متقدمة لإيران الشيعية، عدوّتها التاريخية.
دبلوماسي عربي، لم يشأ الكشف عن هويته، قال:

«نحن لن نتزحزح عن موقفنا. ولن نقبل بقيام حكومة شيعية في البحرين». هذا، وقد عبّرت السعودية عن امتعاضها بشكل واضح وصريح، حيث رفضت استقبال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع، روبرت غيتس، عندما أعلنا عن عزمهما على زيارة المملكة في وقت سابق من الشهر الجاري (آذار). أما التبرير الرسمي لهذا الرفض فكان ان الملك عبد الله بن عبد العزيز لا تسمح له صحته المتدهورة باستقبالهما.
وفي معرض التجاهل للدعوة الأميركية بضبط النفس، بادرت قوة عسكرية، بقيادة سعودية، تابعة لمجلس التعاون الخليجي، الذي يضم ست دول عربية خليجية، إلى الدخول إلى أراضي البحرين في 14 آذار، لمساعدة حكامها على سحق المتظاهرين المطالبين بالديموقراطية، حتى الآن، على الأقل.

وكان بيان صدر عن البيت الأبيض، قبل يوم من ذلك التاريخ، زاد من غضب السعوديين والبحرينيين. وقد أشار الدبلوماسي العربي، إلى ذلك بقوله إن البيان «دعا شركاءنا في مجلس التعاون الخليجي إلى ضبط النفس واحترام حقوق شعب البحرين، والتصرف بطريقة تدعم الحوار بدلاً من القمع».
وفي خطاب ألقاه الأمير السعودي «تركي الفيصل»، السفير السابق لدى واشنطن، في 20 آذار، في الإمارات العربية المتحدة، قال إن دول الخليج الآن، يجب أن تحرص على توفير أمنها الخاص ـ وهو دور بقي محصوراً بالولايات المتحدة منذ سقوط شاه إيران عام 1979.

وأضاف الأمير تركي متسائلاً: «لماذا لا نسعى لتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى تجمّع يشبه الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا لا يكون لدينا جيش خليجي موحد؟ ولماذا لا نمتلك رادعاً نووياً نواجه به إيران ـ في حال فشلت الجهود الدولية لمنع طهران من تطوير أسلحة نووية ـ أو لردع القدرات النووية الإسرائيلية؟».
غريغوري غوز، الخبير بشؤون المنطقة، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة «فيرمونت»، قال: «إن العلاقات الأميركية مع السعوديين، وممالك وإمارات الخليج الأخرى، هي سيئة اليوم على غرار ما كانت عليه عقب انهيار حكم شاه إيران».
أما الدبلوماسي العربي فأكد قائلا: «الفكرة العامة التي تقول إن السعودية لا تزال بحاجة لحماية أميركية، في كل المجالات، هي فكرة تخطيناها اليوم. وهذا التباعد الحاصل ليس بالضرورة طلاقاً، وإنما هو مجرد عملية لإعادة ضبط الأمور».
وبالرغم من بروز مثل هذا التعارض، فإن خبراء يقولون إن ثمة حدوداً للاختلاف الأميركي ـ السعودي، وذلك، على الأقل، لأن البلدين يتشاركان في مصلحة مشتركة لناحية استمرار تدفق النفط، ومواجهة إيران، ومقاتلة تنظيم القاعدة، وغيره من المجموعات الاسلامية المتشددة.

وفي هذا المجال، يقول «غوز» إن الجهود السابقة التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي، للإمساك بأمنها الخاص، قد فشلت. ففي عام 1990، عندما اجتاح الرئيس العراقي الأسبق، صدّام حسين، الكويت، لم يجد السعوديون والكويتيون من ينقذهم سوى القوات الأميركية. وأنهى «غوز» كلامه، بالقول: «في نهاية المطاف، أعتقد أن الشأن الجيوسياسي، سوف يدفع الولايات المتحدة والسعودية إلى التقارب من جديد. فإيران لا تزال موجودة».
إلى ذلك، يعترف مسؤولون أميركيون بوجود خلافات عميقة مع السعوديين في ما يتعلق بمصر والبحرين. فواشنطن لا ترى يداً إيرانية وراء الاحتجاجات والمظاهرات في البحرين، كما تقول، كما لا تنظر إلى المنطقة كلها، بمنظار المذهبية الذي تنظر من خلاله دول الخليج.

وفي الوقت الذي تبدو الخواطر قد هدأت بشأن البحرين ـ خصوصاً بعد امتناع واشنطن عن إدانة التدخل السعودي العسكري والمطالبة بالانسحاب ـ يبدو أن التوترات مرشحة للاستمرار لبعض الوقت. فالمخاوف السعودية من السياسة الأميركية لها جذورها العميقة، وتعود إلى عام 2003، أي تاريخ الاجتياح الأميركي للعراق، الذي أسفر، للمرة الأولى، عن نشوء أول حكومة شيعية في دولة عربية، في التاريخ المعاصر. كما أن واشنطن بقيت عاجزة عن وقف حزب الله، في لبنان، عن توسيع نفوذه السياسي، يوماً بعد يوم.
«كيف بولاك»، مدير مركز «صابان» التابع لمعهد «بروكنغز» لسياسة الشرق الأوسط، قال: «المشكلة هي أن السعوديين، والدول الخليجية الأخرى، مرعوبون من التغيير».
(ترجمة جوزيف حرب- السفير(

السابق
عودة نغمة الـ «س.س»
التالي
البطريرك الجديد: واقع ورؤيا جامعة