لبنان: الأكثرية تتوقع ولادة الحكومة هذا الأسبوع

تتفق مصادر مقربة من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والمكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي على التأكيد ان هذا الأسبوع سيكون حاسماً لجهة ولادة الحكومة العتيدة، على رغم ان الاجتماع الرباعي الذي عقد أخيراً بين ميقاتي ومسؤول العلاقات السياسية في «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والمعاونين السياسيين لريئس البرلمان النائب في حركة «أمل» علي حسن خليل والأمين العام لـ «حزب الله» حسين خليل لم يحقق اي تقدم يذكر باتجاه خفض سقف الشروط الموضوعة من رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون.

وتؤكد المصادر نفسها لـ «الحياة» ان استمرار المفاوضات في دائرة المراوحة والأخذ والرد من دون ان تحرز اي تقدم بات يشكل إحراجاً للرئيس ميقاتي ولحلفائه وللقوى السياسية التي سمّته رئيساً للحكومة في ظل غياب الأعذار التي تبرر تأخير ولادة الحكومة، خصوصاً أن التركيبة الوزارية سيغلب عليها اللون الواحد على رغم تطعيمها ببعض الوجوه من خارج قوى 8 آذار والحزب التقدمي الاشتراكي. وهو ما لن يبدد الاعتقاد السائد لدى اللبنانيين بأنها ستجمع «أهل البيت» الواحد تحت سقف سياسي واحد يسوده الانسجام، خصوصاً القضايا الكبرى المطروحة على الساحة المحلية ستكون موضع إجماع. وترى المصادر أن الأسبوع الطالع، بدءاً من اليوم، سيشهد حركة اتصالات واسعة من اجل تهيئة الظروف لولادة الحكومة. ولا تستبعد أن تتوّج بلقاء يجمع بين ميقاتي وعون شرط أن يمهّد لإعلان التوافق بدلاً من أن يكون شاهداً على تكريس الاختلاف بينهما باعتباره الخرطوشة الأخيرة التي يجب ان تستخدم في المكان المناسب.

وتعتقد المصادر أيضاً بأن التفاؤل بولادة الحكومة هذا الأسبوع مرتبط بمدى استعداد حلفاء ميقاتي للتدخل لدى عون لإقناعه بتأييد الثوابت التي رسمها كشرط للتأليف وأبرزها أن الدستور لا يسمح بتمليك أي طائفة أو أي حزب أو أي فريق أو أي شخصية اغلبية مقرِّرة أو معطِّلة داخل الحكومة.

وتضيف ان التفاؤل بقرب ولادة الحكومة ما زال ينطلق من الرغبات لما يترتب على «تمديد» المفاوضات من آثار سلبية على جميع المعنيين بعملية التأليف، خصوصاً انها أخذت تستنزف جميع الحلفاء من دون استثناء، لا سيما انه لم يتم التوصل الى تفاهم على الإطار العام الذي على أساسه سيصار الى تحديد الأحجام والحصص داخل الحكومة.

وفي هذا السياق تنقل المصادر المواكبة للاتصالات الجارية في خصوص تأليف الحكومة عن ميقاتي قوله انه لن يفرّط بصلاحيات رئيس الحكومة ولن يسمح بالمساس بمقام الرئاسة الثالثة و «يخطئ من يعتقد أو يراهن على انني مستعد لألبس الثوب الذي يتعارض مع هذه التوجهات التي هي بالنسبة إلي بمثابة خط أحمر لا أسمح لأي كان بأن يتجاوزه». وتضيف أن ميقاتي يستند في مفاوضاته الى قاعدة رفضه ان يكون الحلقة الأضعف في التركيبة الوزارية لما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية لن يسلّم بها مهما كلف الأمر، ناهيك بالأضرار التي ستلحق به داخل طائفته في حال تراجع عما يعتبره ثوابت.

ولدى سؤال هذه المصادر عن الموقف السوري من تشكيل الحكومة، أكدت أن دمشق تفضل، حتى هذه اللحظة، عدم التدخل في التفاصيل وأنها تترك الحل والربط للقوى المحلية التي ستشارك فيها، مشيرة الى انها لم تضغط على ميقاتي أو تطلب منه الموافقة على ما يتعارض مع قناعاته، لكنها ايضاً لم تتدخل من اجل المساعدة لحلحلة بعض العقد التي ما زالت تؤخر ولادتها وأبرزها عقدة شروط عون الذي لا يبدي حتى الآن اي استعداد للتنازل عن بعضها لتسهيل مهمة الرئيس المكلف.

وتؤكد المصادر ايضاً ان قيادة «حزب الله» ترفض الضغط على حليفها الأول العماد عون لدفعه الى اعادة النظر ببعض شروطه وتنعيم مواقفه وهي تقوم بدور الوسيط على قاعدة إصرارها على تدوير الزوايا.

وعن موقف الرئيس بري من المفاوضات، قالت المصادر ان الأخير توجه لقضاء نهاية الأسبوع في دارته في مصيلح في جنوب لبنان، مبدياً عدم ارتياحه للأجواء التي سادت اللقاء الرباعي، الذي أتت نتائجه مخالفة لما كان يراهن عليه من تحقيق تقدم.

وتنقل المصادر عن بري إصراره على الإسراع في تشكيل الحكومة للالتفات إلى مطالب اللبنانيين وهمومهم من ناحية وللانصراف الى مواكبة التطورات والتغييرات المتسارعة في المنطقة من جهة ثانية، خصوصاً أن لا مصلحة في اي تأخير لم يعد له مبرر بعد قرار قوى 14 آذار عدم المشاركة في الحكومة.

وتبدي المصادر عدم ارتياحها الى ما انتهى إليه اللقاء بين عون ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود. وتقول ان الأخير استجاب وساطة «حزب الله» لعل الزيارة تؤدي الى إقناع «الجنرال» بسحب «الفيتو» الذي يضعه على عودته الى الداخلية.

وتؤكد المصادر ان الوزير محمد فنيش (حزب الله) لعب دوراً في تهيئة الظروف لزيارة بارود الرابية وأنه التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لهذه الغاية وأن الأخير قال له انه لا يتدخل شخصياً في هذا الموضوع، لكنه إذا سُئل عن رأيه فإنه يرحب بحصولها.

إلا ان المفاجأة كانت في إصرار عون على موقفه، وهذا كان موضع انتقاد «خجول» له من بعض حلفائه الذين لم يكونوا يتوقعون منه ان يخاطبه بالأسلوب نفسه الذي تحدث فيه سابقاً عبر وسائل الإعلام، مع فارق يعود الى التزامه التهدئة من دون اي تعديل في موقفه.
كما ان المصادر المواكبة لم تفهم الأسباب التي دعت الى تعليق المفاوضات بذريعة اضطرار باسيل للتوجه الى دبي في الإمارات العربية المتحدة لحضور احتفال يقيمه فيها «التيار الوطني»، وقالت انه كان الأجدر به ان ينتدب من يمثله للمشاركة في هذه المناسبة نظراً الى انه لم يعد من الجائز الدوران في حلقة مفرغة فيما يستغرب الأقرباء قبل الخصوم كل هذا التأخير، مع ان المطالب اصبحت معروفة، إضافة الى المعادلة التي رسم سقفها ميقاتي الذي يرفض ان يحيد عن ثوابتها.

وتسأل المصادر عن الأسباب الكامنة وراء تغييب «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط عن المفاوضات، ليس لأنها الكتلة النيابية التي رجحت تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة فحسب، إنما لدورها الفاعل وقدرتها على التقريب في وجهات النظر؟

وهنا تجيب المصادر بقولها ان لجبهة النضال رؤية سياسية ربما لا تتفق وتوجهات العماد عون، وهي لهذا السبب تفضل عدم الدخول في صدام معه، وكانت سعت سابقاً الى «تنعيم» موقفه، لكنها ارتأت ان تترك هذه المهمة للآخرين لعلهم ينجحون في مسعاهم التوفيقي.

وتضيف المصادر ان ما يهم الوسطاء بين ميقاتي وعون هو التوصل الى «صيغة مركّبة» لا تقتصر على خفض السقف السياسي للأخير فحسب لتسهيل ولادة الحكومة، وإنما الى تثبيت الأسس اللازمة لحمايتها من الداخل، وهذا يستدعي بناء عامل الثقة بينهما لقطع الطريق على حدوث هزات من داخلها.

وبكلام آخر، تعتقد هذه المصادر ان الوسطاء يركزون على تحقيق التواصل بين ميقاتي وعون على المستويين الشخصي والسياسي بعيداً من التجاذبات، وهذا يتطلب توفير حد أدنى من «الكيمياء السياسية» بينهما ما زالت مفقودة حتى الساعة.

وعليه، فإن ميقاتي، الذي يأخذ عليه بعض حلفائه التروي في الاندفاع باتجاه ملامسة المخارج لأزمة التأليف، سيكون مع بدء هذا الأسبوع امام اختبار جديد لن يعفى منه حلفاؤه وتحديداً الذين يتفادون إبداء رأيهم في رفضه تمليك اي طائفة أو حزب أو فريق أو شخصية أغلبية مقرِّرة أو معطِّلة داخل الحكومة، مع ان بعضهم يناصرونه في موقفه لكنهم لا يجهرون به مراعاة لعون لئلا يذهب بعيداً في تصلبه.

لذلك يبقى على الذين يبدون تفاؤلهم بقرب ولادة الحكومة ان يثبتوا هذا الأسبوع – كما تقول المصادر المواكبة – نياتهم الطيبة لتسهيل مهمة ميقاتي، وهذا يتطلب من «حزب الله» تدخلاً ضاغطاً على عون وجرعة غير مسبوقة من دمشق يخرجها من دائرة عدم التدخل في تفاصيل فيما يدعو البعض في لبنان الى مراقبة ردود الفعل على موقفها من التطورات في البحرين الذي صدر اخيراً عن وزير الخارجية وليد المعلم، (للزميلة «الشرق الأوسط») وقال فيه ان وجود «درع الجزيرة» في المنامة اساسه قانوني وليس احتلالاً، وأن سورية تعمل لإيجاد ارضية صلبة من التفاهم بين العرب وإيران.

فهل يصرف كلام المعلم لبنانياً وكيف وأين؟ لا سيما انه يتمايز عن موقف طهران من الأحداث الجارية في البحرين؟

السابق
الأكثرية بدأت تستشعر خطورة الإستنزاف السياسي
التالي
الزيتون يرفع الضغط… والأوراق تخفضه!