عون وجنبلاط..واستحقاق 2013 يجمعهما

استحقاق 2013 يجمعهما… وتصور لعلاقة مؤسساتية وبناء ملفات مشتركة
عون وجنبلاط… وخريطة ترسيخ الخيارات بدل ردات الفعل

من بين كل الذين كانوا يضعون أيديهم على قلوبهم في انتظار ان «يبقّ» النائب وليد جنبلاط «بحصة» التزامه بإيصال مرشح المعارضة (السابقة) الى السرايا الكبيرة، وحده العماد ميشال عون تجرّأ على إرسال ما يشبه التحذير لـ«البيك» بالبريد السريع من الرابية، عندما طالبه على مسافة ساعات من الاستشارات النيابية الملزمة، بضرورة «حسم خياره».
حتى الآن يفضل الزعيمان المسيحي والدرزي الحوار بالواسطة بدلاً من الجلوس وجهاً لوجه. جهود «الصديق المشترك» المهندس عاصم سلام بجمعهما تحت سقف منزله في الشهر الماضي ساهمت في تنقية الأجواء، لكنها لم ترتق الى مستوى إحداث خرق نوعي في جدار العلاقة الفاترة… ولعل جلسة الأربع ساعات في الجو بين الرجلين في رحلتهما المشتركة الى باريس في تشرين الثاني الماضي تدلّل على ان الصدفة قد تلعب دورها أكثر من المواعيد الرسمية في جمع «الجنرال» والبيك».
وإذا كانت معضلة بلدة بريح الشوفية قد وجدت طريقها الى الحل، وكفرسلوان على الطريق، إذا تأمنت الأموال اللازمة لوزارة المهجرين من الحكومة الجديدة، فإن ملف عون – جنبلاط لا يبدو قابلاً لـ«التسييل» في وعاء ثقة، مشابه لذاك الذي يجمع «الجنرال» بالسيد حسن نصر الله. ضمن هذا المنطق يبدو مشهد وفد «حزب الله» زائرا قصر المختارة أو دارة كليمنصو، غير قابل للاستنساخ في الطرف العوني.
فكرة الوفود الموسّعة لا يحبّذها «الجنرال»، لذلك يبقى اتكاله على «المهندس السياسي» جبران باسيل باعتباره صلة الوصل الاكثر عملية حين تغيب لغة الاتصالات بين «العنيدين»، وحين يصبح التنسيق و«توضيح النوايا» أمرا ملحا على ابواب ولادة الحكومة الجديدة.
على مستوى الصف الثاني، حرارة المصافحات والسلامات تسجّل معدلات اكثر ارتفاعا من خلال اللقاءات شبه اليومية بين الثلاثي ألان عون وأكرم شهيب ووائل ابو فاعور، ومؤخرا دخلت الواجبات الاجتماعية على خط ترطيب التواصل الناشف بين كوادر «التيار» و«الاشتراكي».
بعد المبادرة الرئاسية في العام 2009، بجمع «الجنرال» و«البيك» في القصر الجمهوري، يزور رئيس «اللقاء الديموقراطي»، قبل انفراط عقده، منزل «الجنرال» في الرابية، مؤكداً انها «آخر المصالحات»، ثم يقوم الأخير بزيارة «ردّ رجل» الى الشوف في شباط 2010، وهي البقعة التي ستشهد الاختبار السياسي والانتخابي الأهم والحقيقي للتحالف بين الرجلين بعد نحو سنتين.
ينوجد بين الفريقين من يدلّل بالأصبع الى ثغرات تؤخّر عملية ترتيب علاقة قد يكون من اهم ثمارها في حال تشذيب أغصانها إحراج الصوت «القواتي» النيابي في الشوف. البيان المشترك للحزب التقدمي الاشتراكي و«التيار الوطني الحر» الذي دعا الى مقاطعة الدعوة التي وجّهها النائب جورج عدوان الى الهيئات التعليمية لإقامة حفل غداء بمناسبة عيد المعلم مؤخرا على اساس انها تشكّل عاملا تجييشيا للمشاركة في مهرجان 13 آذار، حمل ما يكفي من الدلالات التي تشير الى امكان الالتقاء البنّاء، فكيف اذا كان الخصم المشترك هو «القوات اللبنانية».
بالنتيجة ثمة «سندات» مستحقة على الرجلين: وليد جنبلاط يقول في اليوم الشوفي الطويل لزائره «ان وحدة الجبل تستكمل بحضور العماد عون في ربوعه»، من دون ان يقدّم حتى الساعة لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» الدليل الإرشادي للتطبيق العملي لهذا الشعار. والعماد عون يؤكد ان «اللقاء الشوفي» ليس عابراً بل تاريخي «من خلال إحياء الذاكرة ومواجهة الواقع بكل مكوناته»، فيما محيط «الجنرال» يطرح حتى الساعة علامات استفهام حول مغزى «البرودة» الجنبلاطية، وهي علامة استفهام مردودة من الاشتراكيين الذين يستغربون محاولة رسم المسافة من قبل الرابية، علما أن الملفات المشتركة كثيرة، ويطرح أحدهم فكرة تثبيت التواصل الدوري بين الحزبين، عبر اجتماعات قيادية شهرية (بين «أبو تيمور» و«الجنرال»)، تتفرع عنها لجان عمل تعنى بملفات الجبل والطلاب والمهن الحرة والنقابات والعمل النيابي المشترك، وتقوم بإطلاع قيادتي الجانبين على نتائج عملها، وصولا إلى مأسسة العلاقة وجعلها تتطور تدريجيا من الآن وحتى موعد الاستحقاق المشترك في صيف العام 2013.
الـ zoom in يكشف أكثر عورات العلاقة. في المقلب العوني تقدير لاستجابة زعيم المختارة لدفتر شروط انعطافة الثاني من آب من خلال تغليب الخيار الحكومي للأكثرية الجديدة. وعقلاء «التيار الحر» الذين يزنون الأمور ببعدها الاستراتيجي، لا الآني، يرون ان القيادة في الرابية يجب ان تنقل جوهر العلاقة من التنافس الى التكامل على ضوء «الانقلاب» الكبير الذي قام به جنبلاط اخيراً، والذي كان من أهم تداعياته المباشرة خسارة فريق 14 آذار للأكثرية وتمكن المعارضة السابقة متحالفة معه ومع نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي من الفوز بأكثرية 68 نائبا لمنع تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة وهو الخيار الذي أدى إلى خسارة جنبلاط لجزء من أصوات السنّة في إقليم الخروب.
عامل الوقت يفرض نفسه بالنسبة لـ«البرتقاليين»: الانتخابات ليست على الأبواب، لكن تسارع التطورات يفرض التأسيس على هذه المتغيرات و«عدم النوم على حرير» الانتقال الجنبلاطي من معسكر إلى آخر. في العمق، يقول هؤلاء، ان «الجنرال» يرغب بتحسين العلاقة مع الدروز في الجبل… لكن الأكيد ان عدم توافر عامل الثقة بالشكل المطلوب، كما هي الحال مع قيادة «حزب الله»، والطباع الشخصية المتنافرة لدى الرجلين تحتّم القيام بجهد استثنائي من قبل الطرفين لبناء الثقة المطلوبة، أولا على مستوى التعاطي بين الزعيمين وثانياً على مستوى الكادرات والقواعد الحزبية. ولا يرى العونيون سبيلاً لوضع اليد مع «بيك المختارة»، إلا وفق معادلة حديدية قائمة على تثبيت عناوين السياسة المشتركة والقدرات الذاتية لنقاط الالتقاء بحيث لا تطيحها المتغيرات الطارئة أو عندما تهبّ «نسمات» الداخل والخارج.
في المقلب الجنبلاطي نقزة واضحة من «شطحات» الرابية التي لا تنسجم مع النسخة الأخيرة التي رسا عليها زعيم «جبهة النضال الوطني»، ومن يواظب على زيارة كليمنصو والمختارة يلمس لمس اليد عدم تفهّم جنبلاط لسياسة السقوف العالية لـ«جنرال الرابية» حيال التركيبة الحكومية العالقة في خرم تعقيدات الداخل والخارج. هي سياسة تهدّد، برأيه، الولادة الطبيعية لحكومة نجيب ميقاتي الثانية وتحرج ميقاتي و«حزب الله»… وإلا ما هو التفسير الذي يعطيه «الجنرال» لموقفه عشية 13 آذار عندما اعتبر رفيق الحريري فقيد عائلة وليس شهيدا، وهو الأمر الذي جعل المترددين يشاركون في تجمع ساحة الشهداء ونسف كل صمت «حزب الله» الاستراتيجي على الحملة ضد سلاح المقاومة؟
تقول اوساط الرابية «قد نتفهّم عدم تفهّم جنبلاط لخطابنا أو مطالبنا أحيانا، كونه لا يحمل دفتر الحسابات نفسه الذي نحمله ولا يملك المعطيات نفسها التي نملكها». اما ما بعد تأليف الحكومة فالمعادلة العونية واضحة «التنسيق مطلوب كطرفين حليفين من ضمن الاكثرية الجديدة، لكن الاستحقاقات الداهمة قد تؤثر سلبا او ايجابا على تطوّر العلاقة… والملفات الاصلاحية نموذجاً».
العودة الى الوراء لا تقدّم عينة افضل في التعاطي المتوتر بين العونيين والاشتراكيين. الذاكرة تسجّل استنفار «الجهاز العصبي» الجنبلاطي إثر ما سمعه في آب 2008 من ممثل عون في لجنة صياغة البيان الوزاري تجاه الفلسطينيين و«مطالبته بترحيلهم»، على حد تعبيره. الأمر كان كافيا يومها، لوليد «بيك» ليجزم أنه لا يريد الدخول في حوار ثنائي مع ميشال عون وأنه لا يستطيع مجاراته بأي سجال.
صحيح ان «ملائكة» جنبلاط وقت ذاك كانت ما تزال حاضرة في «مقلب ثورة الأرز»، إلا أن من يعرف المختارة جيداً يدرك ان جنبلاط «لن يبلع نهائيا» الطروحات العونية حيال حقوق الفلسطينيين في لبنان. كما «لن يبلع» معزوفة الرابية حيال التهديد المستمر بفتح الملفات ومكافحة الفساد والهدر. وثمة في الفلك الجنبلاطي من يعتبر ان عون يلجأ الى اسلوب «عم بحكيكي يا جارة تا تسمعي يا كنّة». لكن المختارة تبدو حاسمة في مسألة مواكبة المشروع الاصلاحي الذي يعتبر المقربون من عون ان خطوته الأولى تبدأ بالتوافق على وقف «مزاريب» الهدر، والمحاسبة بالقانون لا بالسياسة.
وعلى أبواب التأليف المؤجل لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، يرى مقربون من الطرفين ان الرجلين محكومان بالتوافق إن على طاولة مجلس الوزراء او في ما يخص الانتخابات النيابية المقبلة. فـ «توازن الرعب» الذي أرخى بثقله في الشوف بعد خروج جنبلاط من تحت العباءة الحريرية، يفرض نمطاً جديداً في التعاطي بين الرابية والمختارة التي واكبت باهتمام استثنائي عبارة «جنبلاط الخائن» وهي تكتب على حيطان إقليم الخروب. وباعتقاد ضليعين في قواعد اللعبة في الشوف، فإن ما تروّجه اوساط «تيار المستقبل» عن سقوط لائحة جنبلاط في 2013، وربما خروجه ايضاً من الندوة البرلمانية، أمر يرقى الى مستوى التمنيات أكثر من التوقعات… وبالتالي تبقى الكفة محسومة لصالح التحالف الجنبلاطي العوني… إلا اذا.
برأي «عونيين»، حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مهما كان شكلها، لا بد ان تشهد تنسيقاً عونياً ـ جنبلاطياً بحكم الانتماء المشترك الى الأكثرية الجديدة. الـ«الأنا» العونية تستعرض «عضلاتها» ايضا: جنبلاط قوي في «امارته» فقط، أما العماد عون فيعطي بعداً سياسياً ووطنياً أكبر على كامل مساحة جبل لبنان. والمعارضة السابقة لطالما كانت تعوّل على الغطاء المسيحي لمعاركها السياسية اكثر من الغطاء الدرزي الذي يؤمّنه وليد جنبلاط.
في المقابل، يمتلك «حزب الله» والرئيس نبيه بري ومعهما دمشق، مقاربة مختلفة للحيثية الدرزية والجنبلاطية، لا تلتقي في أي من مفرداتها مع المقاربة العونية المبتورة، عنوانها أن وليد جنبلاط شريك اساسي واستراتيجي في الخيارات والحسابات.. والمطلوب حمايته.

السابق
تحرك «علماني»!!
التالي
عندما تصبح السفالة مهنة