حكومة بحقائب كثيرة: هكذا سيُحكم «حزب الله» سيطرته

احمد عياش

ساعات الثقيلة مرّت على المسرح السياسي قبل أن يظهر “الخيط الابيض” من رد “القوات اللبنانية” على المقترحات الاخيرة لحجم مشاركتها في الحكومة الجديدة من “الخيط الاسود” من تمسك “حزب الله” بتمثيل “سنّة 8 آذار” .لكن ذلك لم يحجب معطيات على مستوى كبير من الاهمية حول المسار الذي رسمه الحزب منذ اسابيع لشكل الحكومة التي جرى وصفها بأنها “حكومة العهد الاولى” ،لكنها فعليا ستكون حكومة النفوذ الايراني الاولى ليس في لبنان فحسب ،بل في منطقة النفوذ الفارسي قاطبة.

اقرأ أيضاً: العقوبات الأميركية على حزب الله: التطويع و«التهذيب»

ما يشبه القنابل الدخانية التي ما زالت تنفجر داخليا ،توالت فصول السجال الساخن بين “التيار الوطني الحر” وبين “القوات اللبنانية” بشأن حصص هذا الفريق او ذاك في الحكومة الجديدة الى درجة صار معها من المستحيل إيجاد قاسم مشترك بينهما يفضي الى تسهيل مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري في الوصول الى “بر أمان” التأليف بسلام.ودلّت لهجة السجال بين الجانبيّن على ان هناك أجواء “حرب إلغاء” جديدة على غرار تلك الحرب المشؤومة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي والتي تسببت بسيل جارف من الدماء والدمار ما شكّل مفترقا أفضى الى تثبيت الوصاية السورية على لبنان على مدى 15 عاما.لكن التدقيق في معطيات هذا السجال ،أظهر وفق معلومات الاوساط المواكبة لجهود التأليف ، ان “حزب الله” كان العنصر الحاسم في المرحلة الاخيرة في منع قيام تفاهم بين القوتيّن المارونيتيّن الرئيسيتيّن وذلك عبر تدخله المباشر كي لا تحظى “القوات اللبنانية” بوزارة العدل بعدما لاح ان رئيس الجمهورية العماد ميشال وافق عن التنازل عنها .ونتيجة هذا التدخل الذي تجاوب معه قصر بعبدا بلا إبطاء دخلت جهود التاليف حلقة مفرغة بسبب رسم الحدود امام “القوات” التي تصرفت ولا تزال على ان حجمها الوزاري يجب ان يتناسب مع حجمها النيابي الذي يجعلها صنوا ل”التيار”.
لم تجر مناقشة كافية حول الدوافع التي أملت على “حزب الله” كي يمنع قيام تفاهم بين القوتيّن المارونيتيّن على الرغم من ان “القوات اللبنانية” سعت ولا تزال الى قيام تفاهم بين معراب وحارة حريك. ومثالا على ذلك، ما ردده رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في لقاء مع عدد من الاعلاميين من ان “القوات” و”الحزب” على خط واحد في السلوك الحكومي كما تجلى في ممارسات الحكومة الاخيرة التي تتولى تصريف الاعمال حاليا ،لاسيما في ما يتعلق بملف الكهرباء جنبا الى جنب مع وزراء حركة “أمل”.فهل من سبب جوهري دفع “حزب الله” الى وضع عصا غليظة في دولاب قيام الحكومة الجديدة؟
قبل الجواب على هذا السؤال الجوهري ،علمت “النهار” مو اوساط مرجع نيابي أن “القوات اللبنانية” كانت تستعد قبل تراجع عون عن منحها حقيبة وزارة العدل الى تكرار تجربة الوزارة التي مثلها فيها البروفسور ابرهيم نجار عندما تسلم وزارة العدل في الحكومة التي ترأسها الرئيس فؤاد السنيورة في 11 تموز 2008 وكانت الاولى في عهد الرئيس ميشال سليمان بعد إتفاق الدوحة.وهذه المرة أجرت “القوات” إتصالات مع المحامي كميل ابو سليمان نجل النائب الراحل شاكر ابو سليمان لكي يتسلم منصب وزير العدل ليكون احد إعضاء كتلتها الوزارية الجديدة. وقد أشادت هذه الاوساط بصفات المحامي ابو سليمان ومؤهلاته مشيرة الى إعلان شركة “ديكرت” الدولية للمحاماة في بيان لها العام الماضي أن مجلة
The International Financial Law Review لمنطقة الشرق الأوسط كرّمت رئيس قسم الأسواق المالية الدولية، أبو سليمان، عبر نيله جائزة الإنجاز مدى الحياة (Lifetime Achievement Award) بفضل عمله الإستثنائي في أسواق رأس المال الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجهوده لإنجاح أكثر من 100 إصدار سيادي في العديد من المعاملات الأولى من نوعها في أسواق رأس المال، بما في ذلك اول إصدار سندات للشركات من الكويت، وللديون السيادية في مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس وغيرها.
هل كانت “القوات اللبنانية” لتمضي في تهيئة من يتسلم بإسمها حقيبة وزارة العدل لو لم تكن واثقة بإنها ستحظى بها؟ جواب الاوساط المواكبة لتأليف الحكومة يفيد ان الرئيس الحريري عندما صرّح من قصر بعبدا في الثالث من الشهر بأنه “متفائل جدا” بشأن تشكيل الحكومة الجديدة ، كان ينطلق من تجاوب الرئيس عون مع إقتراح إعطاء “القوات” حقيبة العدل. لكن تحركا عاجلا بين قيادة “حزب الله” وبين القصر الجمهوري أدى الى التراجع عن هذا الموقف المتجاوب تحت ذرائع شتى يطول تعدادها.
بالعودة الى السؤال عن الدوافع التي أملت على “حزب الله” التدخل السلبي في مسار تأليف الحكومة، تقول الاوساط نفسها ان هناك تحولا ظهر أخيرا في سلوك الحزب فاجأ كثيرين ،بينهم حلفاء له ،تمثل بالتشدد في تمثيل النواب السنّة المنتمين الى فريق 8 آذار بعد تساهل إستمر شهورا.وأتى هذا التشدد متزامنا مع تشدد الحزب في الحصول على وزارة الصحة على الرغم من التحذيرات من مغبة هذه الخطوة بسبب العقوبات الاميركية المفروضة عليه وتأثير ذلك على تدفق المساعدات الغربية على هذه الوزارة.
لإلقاء الاضواء على هذا التحوّل في موقف “حزب الله”، يمكن التوقف عند ما ورد في مقال نشرته صحيفة “كيهان” الايرانية حديثا جاء فيه: “…ما يمكن استنتاجه أن إصدار العقوبات في الوقت الحاضر أولاً يرتبط بسياسات أميركية تعتبر أن حزب الله حليف لإيران بإمكانه السيطرة على أي حكومة لبنانية جديدة في مناخ متراجع سعودياً…فهل هذا ممكن؟ خصوصاً أن العقوبات على إيران لم تعد بعيدة.هذا هو الهدف الأميركي الحقيقي لكن القدرة على تنفيذه ترتبط بنجاح العقوبات على حزب الله في حين أن كل التقديرات تؤكد أن تطبيقها يؤذي كل اللبنانيين ما عدا حزب الله… وهذا قد يعيد الرشد الى الشيخ سعد وبعض المتهورين في السعودية ولبنان على قاعدة ان لا حكومة تمر من دون موافقة الرئيس ميشال عون وحزب الله وحلفائه، وإلا فإننا مقبلون على حكومة تعكس الاحجام الحقيقية للقوى!”
بعد الموقف الذي أعلنته “القوات اللبنانية” من تشكيل الحكومة تحت وطأة التحولات التي فرضها “حزب الله” وإنحناء الاخرين امامها يمكن القول “أن بيت بمنازل كثيرة” ينطبق على واقع جدل بشأن “حكومة بحقائب كثيرة” يفرض خلاله “حزب الله” سيطرته على لبنان بصورة فعلية أكثر من أي وقت مضى!

السابق
العقوبات الأميركية على حزب الله: التطويع و«التهذيب»
التالي
فيديو مأساوي يصوّر هلع ركاب الطائرة الأندونيسية قبل سقوطها