الى الرفيقين وليد جنبلاط وسمير جعجع

جعجع
يقولون هو بلدٌ جميل بالكاد يُرى على الخريطة، طبعاً طبعاً طبعاً، إنه لبنان. "مش لبنان، مبلا لبنان، ولكن فعلاً إلى أين؟!".

هذا البلد الطيب ما عاد جميلاً لأنه غارق في أزماته العديدة منذ نصف قرن ، أزمات أفظع ما فعَلَتْهُ به هو تدميرها لإسمه التجاري العالمي بعد أن لُقِّبَ يوماً وعن جدارة بسويسرا الشرق. وبالرغم من أن هذا البلد هو مجرد نقطة على الخريطة، فقد بات مؤخراً يضم أكبر نسبة نازحين في العالم وما هي إلا سنوات قليلة حتى يغدو المواطن اللبناني من عداد الأقلية فيه وتأكله الديموغرافيا الزاحفة.
أغرب ما في هذا البلد المنقسم على ذاته هو تغيّر الظروف السياسية فيه بشكل دراماتيكي وخلط الأوراق الدائم بين لاعبيه السياسيين الذين لم يتغيروا أبداً منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولكنهم تبدلوا كثيراً في تحالفاتهم فأعداء الأمس اللدودين الذين حاربوا بعضهم لسنوات طويلات هم اليوم حلفاء. لا بأس بالطبع في ذلك بل إنه أمر ضروريّ حيث أن الحروب الأهلية هي أبشع ما يمكن أن تحدث للشعوب ، ويجب بأي ثمن أن تُطوى.

اقرأ أيضاً: جنبلاط وجعجع في بيت الوسط وعِقَد تأليف الحكومة باقية

في هذه اللحظة المصيرية المعقّدة من تاريخ المنطقة العربية المشرذمة بالحروب والفتن من اليمن الجريحة الى سوريا المدمّرة ، ومن العراق المسحوق الى فلسطين المغتصبة، ومن مصر المعتزلة الى ليبيا المقسَّمة، يرزح لبنان تحت أزماته السياسية والإجتماعية والإقتصادية والبيئية المستمرة منذ نصف قرن والمهددة لوجوده. وصل العماد ميشال عون في أواخر شهر أكتوبر ٢٠١٦ الى سدة الرئاسة، ولكن ماذا بعد؟ ماذا تحقق للبنان؟ أين الحلول، أين الإنجازات؟ وصوله الى الحكم في بعبدا كان حلماً شخصيّاً تاريخياً لَهُ، وقد عمل لأجله طوال حياته وخاض حروباً عديدة في سعيه وغيَّر تحالفات وطيدة ووقع إتفاقات قديمة وحديثة مع أفرقاء متناقضين بالرؤية والمشروع، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ ماذا كسب لبنان والمواطن اللبناني من تبوؤ العماد ميشال عون سدة الحكم في البلاد، وأي إنجازات سيتحدث عنها العهد بعد ما يقارب السنتين من بدايته إن كانت القمامة لا تزال تُغرق الشواطىء والظلمة تغطي البلد والمؤشرات الإقتصادية المختلفة تنذر بكارثة حقيقية؟
أتى العماد ميشال عون رئيساً نتيجة إتفاقات عقدها تباعاً مع حزب الله، ومن ثم مع تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي مكنته من فرض إجماع على الكتل النيابية مستغلاً صفقة سعودية إيرانية عُقدت في ما خَص الرئاسة اللبنانية بموافقة دولية بالطبع.
يستغرب الكثيرون ضعف نتيجة الإتفاقات المعقودة في لبنان والتي تُفرَّغ من مضمونها لاحقاً وينقلب عليها الموقعون بعد أن تؤدي غرضها الظرفي المصلحي لهم ، وما إتفاق الطائف وتفريغه من محتواه وعدم تطبيقه سوى أحد الأمثلة الكثيرة التي تعكس عدم المصداقية والإلتزام بالإتفاقات المعقودة لا سيما المكتوبة منها والممهورة بالتواقيع والشهود والصور التذكارية.
هناك إتفاقان تاريخيان يجري الحديث عنهما في الآونة الأخيرة: مصالحة الجبل وإتفاق معراب. وفي الحالتين هناك أحد الفريقين الموقعين يستمر بالتحدث عنه والتمسك به، بينما الآخر يضرب غنجة ويهاجمه، فيتراءى للمراقب وكأن المتمسك به يقدّسه ويشهره شعاراً يلاحق به الفريق الآخر الذي يحاول التملُّص منه او التنكر له؛ ماذا لو صرخ الذي كان يتمسك بالإتفاق دائماً بأنه بحِلًّ منه! ماذا لو توقف وليد جنبلاط عن التذكير الدائم بإلتزامه مصالحة الجبل المعقودة مع المرجعية المسيحية الأعلى في الشرق؟ ماذا لو قال هذه المصالحة ما عادت تعنيني طالما الفريق الآخر يحاول الإيحاء الدائم أنه لم يكن جزءاً منها وما عاد متحمساً لها؟ ماذا لو توقّف سمير جعجع عن دعوة العونيين الإلتزام بإتفاق معراب وإعترف أن هذا الإتفاق إستفاد منه ظرفياً الجنرال عون للوصول الى قصر بعبدا فقط بينما القوات وقعته لطي صفحة الحرب الأليمة بين الأخوة بغض النظر عن المناصب والحصص مهما علا شأنها؟ هي ربما الحقيقة، أو حقيقة السياسة أقلها، فلما الإلتزام بإتفاقات يتنكر لها الفريق الآخر ؟ في الملعب السياسي لدول العالم الثالث، لا إتفاقات دائمة، كما لا تحالفات دائمة، كما لا مؤسسات وأوطان وحقوق مواطنين.
نتمنى على الرفيقين المتحالفين وليد جنبلاط وسمير جعجع تعزيز تحالفهما الإنتخابي الى شراكة سياسية حقيقية والتوقف عن التمسك بما يتنكر له الغير والعمل خارج منطق المحاصصة والمصالح من أجل حماية لبنان وصيانة وحدته ووحدة قلبه النابض، الجبل، لبنان الصغير، نواة لبنان الكبير، لبنان المقيم والمغترب وليس المنتشر.
وماذا لو أُختصرت الحياة السياسية في لبنان في وجود حزبَيْن رئيسيَّيْن علمانيَّين يتنافسان على خدمة البلاد دون فساد وذلك على غرار الدول المتقدمة، أم أنَّ اللبنانيين لا يستحقون ذلك!

 

السابق
إطلاق نار على الجيش خلال مداهمة في حي الشراونة
التالي
بين «اللواء السليب»… و«الجولان المحتلّ»