العصر الألماسي للنفوذ الاسرائيلي

الكاتب جهاد الزين

تتوالد المفارقات في المنطقة بحيث، ليس فقط لا نستطيع اللحاق بتفسيراتها، بل أيضا باتت تفقد جزءاً من إثارتها إن لم تكن إثارتَها كلها.

اقرأ أيضاً: الدولة والدويلة

آخر المفارقات الجادة جدا التي لم أستطع تلافي إثارتها، ولو لم أكن منحازا لقلتُ جاذبيّتَها، هي دلالات الدور الذي لحظهُ اتفاقُ إعادة العلاقات التركية الإسرائيليّة لميناء أشدود الإسرائيلي.
الدلالات المباشرة هي التالية:
– قبول تركيا بمبدأ العلاقة غير المباشرة مع قطاع غزة وعبر “الوسيط” البحري الإسرائيلي ممثَّلاً بميناء أشدود. وهذا ينهي كل المحاولة التركية التي أدّت إلى أزمة سفينة “مرمرة” قبل سنوات.
– لكن أهم الدلالات هي قبول تركيا بأن تكون إسرائيل هي المنفذ الوحيد لحماس في ظل التردي المريع للعلاقات بين مصر وحماس التي بات عنوانها الجيوبوليتيكي الثابت قطاع غزة.
– علينا إذن من الآن فصاعدا أن نراقب مسار تحوّلٍ لاسابقة له في علاقات المنطقة وهو استبدال البوابة المصرية الوحيدة لقطاع غزة منذ تأسيس إسرائيل ( ما عدا فترة الاحتلال الإسرائيلي بعد 1967).
لسنا هنا في مجال النقاش حول من بين مصر و”حماس” يتحمّل مسؤولية هذه الواقعية المفرطة التي تنخرط فيها “حماس” عبر تركيا وتستبدل مصر بإسرائيل، ولكنْ أياًّ تكن نتائج هذا التدقيق فلا شك أن الارتماء “الحماسي” الكامل في أحضان السياسة الأردوغانية في التصادم مع مصر لم يساعد على تطوير علاقة واقعية بين الطرفين المصري و”حماس” بما ينسجم مع الحد الأدنى من قواعد التضامن العربي حول الموضوع الفلسطيني.
على أن السؤال ماذا سيكون الدور التركي في تعزيز أو استحداث القنوات غير المعلنة للعلاقات بين إسرائيل و”حماس”؟ فتركيا مع استعادة علاقاتها بإسرائيل هي البلد الذي سيعيد اتفاقات عسكرية وتقنية شديدة الأهمية كانت قد انقطعت ومنها بل في مقدمها اتفاقات التطوير التقني لطائرات “إف4” وغيرها. مما يعني أن المخابرات التركية ستكون في وضعٍ مرتاح لتأسيس صيغ تعاون واقعي بين القطاع وإسرائيل.
هذا في الدلالات الواضحة.

اسرائيل تركيا
أبعد من ذلك يمثل النجاح الإسرائيلي في تحويل منفذ إشدود إلى المتنفّس الأساسي لقطاع غزة، على الأقل في قطاعات التموين والصحة والتجارة والعمالة إنجازا جديدا تهديه الأوضاع الجديدة في المنطقة للموقع والقوة الإسرائيليّيْن.
الطاولة الإسرائيلية تحفل حالياً بالمكاسب السياسية في كل الاتجاهات:
العلاقات الوطيدة مع روسيا، العلاقات مع تركيا وعبرها المنفذ من وإلى “حماس”، العلاقات مع مصر، العلاقات مع السعودية، العلاقات مع الأكراد.
الانسحاب غير المعلن لإيران من الصراع العربي الإسرائيلي بعد الاتفاق النووي السداسي وربما، في مكان ما، تواصل ديبلوماسي سري بين الطرفين لأن ما نحن في المنطقة بصدده هو بداية صيغة جديدة للشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين.
لا حاجة للإضافة على مستوى أكثر عالمية هو العلاقات الإسرائيلية مع كل من الصين والهند والبرازيل المبنية على حسابات كون إسرائيل قوةً عظمى في التكنولوجيا الصناعية والخدماتية.
هذه الجزيرة الإسرائيلية الغربية المتماسكة في محيط منهار (سوريا والعراق وليبيا واليمن) ومنشغل بحاله (مصر) إذا كانت تواجه بعض المشاكل، يا للمفارقة، فهي تأتيها من بعض الضغط الغربي للحد من توسعها الاستيطاني وللدخول في حد أدنى تفاوضي. إذن الضغط الحالي على إسرائيل لا يأتي سوى من أقرب أصدقائها الغربيين.
لقد بدأ العصر الألماسي للنفوذ الإسرائيلي في المنطقة بعد أن تجاوز العصر الذهبي.

(النهار)

السابق
تدابير امنية احترازية في النبطية ودهم تجمعات للنازحين
التالي
جنبلاط التقى نصرالله وتعهّد بـ 7 أصوات لعون