الرأي العام في ذمة الله!

الرأي العام
لماذا لم تنجح كل انواع الصدمات في إنعاش الرأي العام اللبناني المحتضر؟ اسرائيل تسرق غازنا، والسياسيون يتقاسمون عرق المواطنين ودمائهم، القضاء في غيبوبة، والإعلام تحوّل دوره الى دور سلبي في إغفال أخبار والإضاءة على أخبار أخرى من أجل مصالح الحكام الخاصة‍‍!

اسرائيل تسرق الغاز، بينما يختلف أرباب السياسة اللبنانيين على حصصهم الموعودة منه، فيجمدون كل المشاريع إلى حين اتفاقهم. وزارة المال تصدر عبر مديرية الشؤون العقارية قرارها الفضيحة بمنع اعطاء إفادات نفي ملكية عن أهل السياسة في السلطة ومن حولها ومن يعتاش منها من أمراء الحرب ومجرميها، وذلك في عملية تعتيم غبية وواعية في آن، تهدف إلى إبعاد الرأي العام عن فضائح الملكيات غير المبررة، والثروات التي تحولت من سلاح ودماء وعرق مواطنين كادحين، إلى عقارات محجوبة عن الرقابة.

اقرأ أيضاً:  الثروة الغازية اللبنانية: من هم «زبائننا»؟

التعتيم الغبي أكد بشكل غير مباشر وجود الثراء الفاضح، وإلا لما كان قرار التعتيم على الملكيات. لكن ما اتضح بعد هذا القرار الخبيث، أن المضللين رغم غبائهم، أوعى وأدرى بوعي حاشيتهم وناخبيهم وشعبهم، من الذين رغم هول الفاجعة ووقاحة القرار، لم يحركوا ساكنا في الشارع ولا حتى في القلم ولا في اللسان كأضعف الإيمان.

النفط

ربما استطاع اللصوص حجب الأملاك العقارية، كلها أو بعضها، إلا أنهم لم يستطيعوا حجب السجلات التجارية التي فضحت أسهم ومشاركات وحصص السياسيين وأولادهم وأقربائهم وأنسبائهم، حتى يخال للمتابع، لا سيما بعد ما أظهره برنامج #حكي_جالس على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، بأن البلد هو مجرد شركة مساهمة قابضة تملك وتدير عدة شركات، تملك بدورها البلد بكافة قطاعاته وموارده وخصوصا البشرية منها.

لكن الفارق بين نظام الشركات التجارية وبين نظام الشركات السياسية التي تمارس التجارة، هي أن ثمة عقود معروفة ترعى علاقة الموظفين بشركاتهم وارباب عملهم، تحفظ حقوقهم وتحدّد واجباتهم. أما في الشركات السياسية اللبنانية المساهمة التي تملكت البلد ومقدراته من بحر وبر ونفط ونفايات، فلا عقد يرعى علاقاتتها مستخدميهم (المواطنين)، فهم مجرد قطيع. والقطيع كما يعلم الجميع ولا سيما القرويون، يتبع الكلب الذي يقود القطيع كما يشاء الراعي.

النفايات

لكن الأكثر استفزازا هو الدور السلبي الذي يلعبه من يفترض بهم أن يكونوا صانعي الرأي العام، أعني بهم الصحافيين. فلقد نجح أهل السياسة في تدجين أهل القلم والكلمة، فباتوا معظمهم أبواقا ومستشارين إعلاميين، ناهيك عن أولئك القابعين في مطابخ الصحف ووسائل الإعلام يهتموم بأخبار فلان ويغفلون أخبار فلان والمعونة تصل نقدا لمعظمهم، إلاّ قليلا منهم، وهم الذين ارتضوا الفقر أو القناعة وحافظوا على شرف المهنة. لقد صار للصحافي في بلدنا بيوت عديدة وسيارات ومصالح من مهنة لطالما عرفت بمهنة المتاعب فصارت مهنة المكاسب!

فوق كل ما جرى هناك وفاة ثانية، وفاة القضاء اللبناني. والحيرة اليوم واقعة في تحديد حالته الراهنة، أهي موت دماغي حيث تعيش الأعضاء بلا دماغ بشكل لا ارادي. أم هو في حالة غيبوبة لا نعلم متى القيام منها؟ فوسائل الإعلام قد ضجت بأخبار الفضائح وبات معلوماَ بأن ثمة إثراء غير مشروع سببه الفساد والسرقة واستغلال السلطة من قبل المؤتمنين عليها. وبأن ثمة مال سياسي جمعه أصحابه وصرفه مقابل رهن إرادة الوطن والمواطنين. لقد بات شائعا وثابتا بأن ثمة عصابة تحكم البلد بالتكافل والتضامن يغطون بعضهم البعض ولا يوحدهم إلا الإستقواء على الشعب في حال رفع أحد ما صوته.

وعليه، لم نعد نعلم وفاة من نعلن، وفاة القضاء أم وفاة الرأي العام. لكن بما أن بعض أركان القضاء مستفيد من سباته العميق، وبما أن الضرر الأكبر يقع على الشعب المكون للرأي العام، فوفاة الرأي العام أصبحت أكثر تحققا وتأكدا.

أيها الناس، الرأي العام اللبناني في ذمة الله، والجثة بانتظار التوافق على طمرها أو ترحيلها، حيث لا تنفع إعادة التدوير.

السابق
ثلاث خطوات لمعالجة الارهاب الاسلامي
التالي
في عيدها ميلادها.. معلومات لا يعرفها الكثيرون عن الأيقونة فيروز…