#ثورة_آب: الفوضى .. الجميلة

ثورة رياض الصلح
إنّ وعي الجماهير اليوم، وحجم الوجع المتغلغل في نفوسهم، هما كفيلان بتحصين وحماية هذا التحرك من تغلغل السارقين. ولا أشكّ للحظة بأنّ هذا التحرك سيكون له تداعياته الايجابية على الساحة السياسية في لبنان، ولو بعد حين.

صحيح أنّه من حيث المبدأ القاعدة تقول إنّ الفوضى أمر مستنكر ومنبوذ وغير مستحب، إلاّ أنّ الصحيح أيضا بأنّ لكل قاعدة استثناء، تفرضه ظروف موضوعية قد تحوله إلى أكثر من ضرورة بل إلى ما يشبه الامر الطبيعي والصحي.. لتتحول القاعدة وقتئذ إلى ما يشبه العارض المرضي أو فلنقل على أقل تقدير إلى أمر غير طبيعي.

ومن هذه الزاوية “الاستتثائية” يمكن توصيف ما يجري هذه الأيام في ساحة رياض الصلح وكل الساحات بأنّه أجمل أنواع الفوضى. طبعا الحديث هنا لا يشمل أعمال التخريب والعبث بالممتلكات الخاصة والعامة فهذا أمر مستنكر جملة وتفصيلا، وإنّما الحديث يطال بشكل أساسي فوضى الاسماء، فوضى الشعارات، فوضى الوجوه، فوضى الخيارات، والأهم من كل هذا وذاك فوضى الحلول المطروحة لأزماتنا المستعصية والمعقدة.

وأستطيع القول هنا وبكل وضوح إنّ في هذه الفوضى يكمن سرّ النجاح، وتحمل في جوهرها بذور الصدق والعفوية المعبرة ببساطة عن فورة غضب جماهيري منتفض على واقع مرير وصل به الأمر إلى أسفل درك يمكن أن تصل إليه مجتمعات محكومة من طغمة لا هم لها إلاّ سرقة أموال الناس.

وموقف هو العكس من مواقف كثيرين من المثقفين والكتّاب والناشطين الذين أخذوا على الداعين الأوائل للحراك المشهود، بأنهم لا يمتلكون رؤية سياسية واضحة وبأنهم لا يتمتعون بقدرات إدارية ولوجوستية يستوعبون من خلالها ضبط وتنظيم الحشود الجماهيرية.

هؤلاء اعتبروا أنّ هذا النقص هو آفة الداعين اليه، وثغرة كبرى يمكن أن تؤدي الى إجهاض هكذا تحرك، وراح هؤلاء الى أكثر من ذلك بحيث اعتبروا أن “سوء” التنظيم وغياب الرؤية الواضحة وانتشار هذه الفوضى هي أسباب كافية لعدم مشاركتهم وامتناعهم عن النزول الى الشارع.

هذا التحرك الذي لا أشكّ للحظة أنّه سيكون له تداعياته الايجابية على الساحة السياسية في لبنان ولو بعد حين

إلاّ أنّ معظم الناس الذين نزلوا وشاركوا ولا يزالون في الساحات، وكاتب هذه السطور منهم، ما كانوا لينزلوا او ليتحمسوا لو كانت الامور على غير ما هي عليه الآن، فتصوروا معي المشهد المختلف لو كان وجد عشرات من الشباب بلباس موحد أو على الاقل بقبعات موحدة – شعارات مكتوبة وموجهة بخيار سياسي متخذ اصلا – صوتيات موزعة باتقان – شباب وصبايا للانضباط – شباب لتوزيع السندويشات والمياه – نقاط تجمع مع نقليات مؤمنة – وهكذ كلّ ما يمكن ان يوحي بقدرات تنظيمية فضلا عن القدرات المالية المطلوبة لذلك….

طلعت ريحتكم

إنّ مشهد التنظيم والإدارة إن وجد فهو حتمًا لا يدعو لا إلى الراحة ولا إلى الاطمئنان عند المواطنين بل الى التوجس والريبة والتشكيك، ويصبح سهلا حينئذ اتهام الداعين اليه بأنهم أناس مرتبطين بجهات معينة ومدعومين من أطراف لها أجندتها الواضحة.

طبعا إنّ مديح الفوضى، واعتبارها أمرا محمودا وطبيعيا في اللحظات الاولى، لا يعني وجوب الحفاظ عليها وبأنّها قد تفقد بريقها واهميتها ان استمرت. لأنّها، بقدر ما كان لها من ايجابيات، قد تساهم في الآتي من الأيام، إن بقيت، بتسلل الكثير من المتضررين والسماح لهم بسرقة هذا الغضب المقدس الذي أتيح له لأول مرة إن يتجسد حركة إعتراضية.

ولا بد من القول هنا إنّ وعي الجماهير من جهة، وحجم الوجع المتغلغل في نفوسهم من جهة أخرى هما كفيلان بتحصين وحماية هذا التحرك الذي لا أشكّ للحظة أنّه سيكون له تداعياته الايجابية على الساحة السياسية في لبنان ولو بعد حين.

طبعا هذا لا يعني أنّ اللصوص، الذين لا يجيدون الاّ السرقة، سوف يحاولون، وبأكثر من أسلوب، السطو على هذا الغضب المقدس، وواحدة من هذه المحاولات هي دعوة التيار الوطني الحرّ إلى التظاهر في الساحة المنتفضة نفسها، لكن ضدّهم.

السابق
انهيار «هدنة الزبداني الثانية» يكشف الاصرار الايراني على التطهير المذهبي
التالي
حزب الله يستغلّ الحراك بعد تململ بيئته.. وعون ينتقم من الحريري