تفاعلات القرار 2216: هل جاء دور سوريا الأسد؟

اليمن
جاء صدور القرار (2216) في توقيت إقليمي محسوب. سيترك تداعيات سياسيّة وأمنيّة حادّة على المنطقة. ويفتح احتمالات البحث جدياً بإمكانية تكراره في سوريا. خصوصاً وأن الكلام كان جدياً ومسموعاً حتى في الولايات المتحدة ودول الخليج العربي بإمكانية إيجاد حل بالتعاون مع دمشق الأسد على الطريقة اليمنية. إن هذا الاحتمال سقط إلى الأبد، كما سقطت مبادرات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ومؤدّاها محاربته للحوثيين مع التحالف إذا سقطت مفاعيل قرار مجلس الأمن، ولكن أقل ما يقال في هذه المبادرة إنها عديمة الأخلاق.

14 نيسان الحالي كان يوماً يمنيّاً مشهوداً في مجلس الأمن الدولي بإصداره القرار (2216) وطالب نصُّ القرار ميلشيا الحوثيين بالإسم بتسليم الشرعيّة، والانسحاب من مواقعهم. وفرض َحظراً على تزويدهم بالسلاح، وعدم الاعتداء على دول الجوار (السعودية وغيرها) وشمل القرار الميليشيا “الصالحية” المتخذة من الموقع الرسمي غطاءاً، وشمل الحظر إبن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. ولقد بدأت التداعيات الأمنيّة والعسكرية لهذا القرار بدءاً من اليوم التالي. فما هي أبرز هذه التداعيات وتفاعلاتها على المستويين العربي والإقليمي؟

أولاً: أنهى القرار الدولي مفاعيل التطوّرات و”الانتصارات”العسكرية للحوثيّين وما كان سيُبنى عليها. وجاء عشية الاتفاق –الإطار بين تهران – واشنطن. ليضع حدوداً رادعة للأحلام الإيرانيّة في الإقليم العربي. وكان أكثر من مسؤول إيراني صرّح بهذه الأحلام علناً. والأهم أن القرار شكّل غطاءاً سياسياً ودولياً لقرار التحالف العسكريّ العربي بزعامة المملكة العربية السعودية.
ثانياً: جاء القرار بالأكثرية، بامتناع صوت واحد هو روسيا. التي تمتنع للمرّة الأولى منذ قيام الربيع العربي عن “الفيتو”. وذلك ليس بسبب التفاهمات مع السعوديّة وإنما بسبب ضعف الحجّة الروسيَّة أمام ما جرى في اليمن. وجاء هذا الموقف مكملاً دعوة روسيا الدائمة لحوار يمني بين “الأطراف”. والأهم، أنَّ الاجتياح الحوثي الأقلوي، وتحدّيه لقرار الشعب اليمني الذي خلع الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الشارع. واستكمل الحوثيون اجتياحهم لإقامة الجبريّة على الحكومة المعنية وعلى الرئيس المنتخب من الشعب، بل ومحاولة قتله وإعلان جائزة لمن يعطي معلومات مفيدة تؤدي إلى اعتقاله.

دور لبنان كان سيأتي عبر تعميم الحال اليمنيّة عبر حزب إلهي متأسلم فاعل لتكرار اجتياح العاصمة بيروت

ثالثاً: أعطى القرار غطاءاً حديدياً دولياً لـ”عاصفة الحزم” العربية، وجاء بعد زيارة مسؤولين قطريّين إلى واشنطن، للبحث في إمكانية تعميم هذا “الحزم” ليطال سوريا. والبحث في أن يكون لقطر دوراً أساسياً فيه بمعية السعودية وتركيا وإمكانية اشتراك عسكري تركي لاجتياح برّي متعاون مع المعارضات، وغطاء جوّي من التحالف العربي.

رابعاً: لجم القرار الدور الإيراني المتقدّم في الخليج والدول العربيّة، وما عجل في ذلك الاتفاق – الإطار للبرنامج النووي الإيراني. وهو الاتفاق الذي أحدث شروخاً داخلية في إيران وتلبكاً ظهر في المواقف السياسية على مستوى القيادة. وبرز الهمُّ الإيراني الأساسيّ برفع العقوبات الفوريّة، وكأنها غدت بنداً وشعاراً أساساً للمرحلة الإيرانيّة. وما ينطبق على تهران ينطبق على واشنطن وإن بنسبة أقل بكثير. منحصراً بين الكونغرس وصلاحيات الرئيس أوباما.
أمّا وقد صدر القرار. فإن روسيا باتت غير متحسّسة من “عاصفة الحزم” بطبعتها العربيّة. بعكس ما كان متمثلاً من دور أميركي منفّر للروس. وهو ما جعل الكلام ممكناً لتثمير هذا “التحوّل” الروسي الطفيف في الموقف حيال العرب. وإمكانية تكراره في سوريا بات مطروحاً أكثر، بعيداً من زج إسم “الجبار الأكبر” الأميركي في الواجهة. صحيح أن روسيا استثمرت ذلك في الإفراج عن صواريخ (S 300) إلا أنها مرّرت رسالة تطمين إلى تل أبيب تفيدها بأن الصواريخ هي دفاعيّة فحسب.
ولا تُخفى عملية اللجم الفاعلة للمطامح الإيرانية وتمثلت بسرعة تحوّل تهران من داعم علني وأصابع لاعبة في صنعاء وعدن إلى طارح مبادرات سلمية ثمّ إلى تأييد قوي للحوار. فتهران تعرف معنى العقوبات وقد كوتها لأكثر من عقد وباتت تستعجل الحل من اليوم الذي تلى القرار. خصوصاً وأن خبراء متخصصين من مجلس الأمن سيعدون تقريراً في مهلة لا تتجاوز الأيام العشرة لعمل ما يتوجب القيام به.
القرار الدولي منع تداعيات وسيناريوهات أخرى. أبرزها:
أ – إمكانية تطويق المملكة السعودية من الجنوب بحدود واسعة مع اليمن، كانت ستهدّد بالضرورة الرياض نفسها، وعواصم دول خليجية أخرى، كانت ستعتبر بحكم الساقطة عسكرياً. وهكذا تسقط الحدود الشرقية المترامية للوطن العربي بكاملها من العراق إلى البحر الأحمر. وصولاً إلى القلب السوري، ولبنان.
2 – دور لبنان كان سيأتي عبر تعميم الحال اليمنيّة عبر حزب إلهي متأسلم فاعل. لتكرار اجتياح العاصمة بيروت مرّة ثانية بحجة حماية “الأمن الإسلامي… والقومي” هذه المرّة. وهذا يعني إلحاق لبنان في حفلة “العجن والخبز” وجعل حدوده مفتوحة لجبهة مع الدواعش، وإمكانية اشتعال أكثر من منطقة، وتوزيع براميل نظام الأسدين على المناطق اللبنانية بالتساوي لاعتبارها مناطق “غير خاضعة”.
3 – كانت القاعدة ستستثمر الوضع في لبنان، كما استثمرته في اليمن حكماً، وهذا من شأنه جعل المنطقة تدخل مرحلة طويلة العهد مع الفوضى الخلاّقة الإلهيّة.
قد يقال هي سيناريوهات بعيدة من الواقع تولّد تداعيات غير محسوبة لمن يقوم بها. والأحزاب الإلهية تفكر بهدوء وبُعد نظر وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن التدخل في سوريا، ودعوة كل الأفرقاء إلى “العجن والخبز” في سوريا، ومنها إلى المنطقة، وصولاً إلى قتلى إلهيين يسقطون في الموصل واليمن ويدفنون في لبنان، والغارات السياسيّة المستمرة على الدول العربية، كلها أمور تؤسس جدياً لإمكانية حصول مثل هذه السيناريوهات المفاجئة، والمضرّة بلبنان ووجوده وشعبه وعلاقاته كلّها.

 

السابق
كركي: الوصفة الطبية الموحدة إعتبارا من الاول من حزيران
التالي
أمن عين الحلوة خط أحمر