عن الحجاب المودرن في الضاحية..

نعيد هنا نشر الموضوع الذي أثار إشكالا قبل أيّام، لأنّ الصورة التي رافقته كانت مأخوذة من مصر، وليس من الضاحية، بسبب خطأ تقني. اليوم نعيد نشر الموضوع ونفتح النقاش حول الحجاب، وحول الضاحية، التي هي ضاحيتنا، في موقع "جنوبية"، قبل أن تكون ضاحية أيّ أحد آخر. الضاحية التي تتمرّد، بهدوء، وتصير أجمل.

لم تعد ضاحية بيروت الجنوبية كما كانت. تلك التي بنت لنفسها، وبنى الآخرون لها صورة “المتقوقعة” على نفسها، والمتحجّرة في معتقداتها. بل نحن نشهد حاليا العكس تماماً. والظواهر التي كان يمكن أن تتسبّب بحوادث كبيرة باتت عادية. فمن منّا لم يسمع بـ”رمي مياه الأسيد على وجوه السافرات” في نهاية ثمانينيات القرن الماضي؟ تلك الشائعات التي طاردة الضاحية وأهلها طويلا.

الضاحية باتت أكثر انفتاحاً. بات الانترنت موجودا بشكل كثيف، ومباحا لجميع الفئات العمرية. الفتيات قبل الشبّان، والصغار قبل الكبار، والمراهقين قبل الراشدين، والمحجبات وغير المحجبات…

أما السهرات الليلية فباتت عادية. ما عادت الضاحية “مجموعة قرى” ولا تجمّع أرياف. باتت أكثر مدينية. وسكّان الضاحية هم أكثر من يتسامرون ويسهرون ليلاً في المطاعم والمقاهي، حتّى الصباح. فها هو تقاطع مطاعم “حرقوص” و”الأغا” لا ينام، وتجمّع المقاهي بين “القاروط” “أوركا” و”السان تيريز”، وتجمّع مقاهي الشباب في برج البراجنة وبئر العبد. رغم أنّها ما تزال “خالية من الكحول”، الذي يشتريه أهلها من عشرات المتاجر المنتشرة من خلدة وصولا إلى الطيونة.

أيضا باتت الضاحية أكثر انفتاحا وتقبّلا للعلاقات العاطفية بين الجنسين.  ليس بالمعنى الجنسي بل بالمعنى العاطفي، حيث الصداقات بين الجنسين مثلا. وبات سهر الذكور والإناث في المقاهي حتّى ساعات متأخرة من الليل مشهد طبيعي. وهنا شاب يوصل صديقته إلى منزلها الساعة 10 أو 11 ليلا… ودور السينما التي تحيط بالضاحية، “الأبراج” و”الغالاكسي” و”الكارفور” تمتلىء بأهل الضاحية، وبالفتيات المحجّبات وغير المحجّبات، في مجموعات أنثوية أو مع شبّان، وتلك مع زوجها وأخرى مع خطيبها وتلك مع حبيبها… وبالطبع هناك الجانب المحافظ الذي ما زال موجودا، أي الفتيات اللواتي ما زلن يرفضنَ الخروج من المنزل مع شاب أو صديق.

وباتت الضاحية تحتمل مشهد فتاة تقود دراجة نارية، وأخرى تقود دراجة هوائية. ومئات الفتيات يركبن خلف شبّان على الدراجات النارية، في مشهد ما عاد غريبا. وأحيانا نجد شابا وفتاة وابنهما على الدراجة نفسها. حتّى فكرة الـboy friend التي كان يمكن أن تؤدّي بالفتاة إلى الذبح قبل 10 أعوام، باتت موجودة في الضاحية لدى فئات محدّدة، وما زالت مرفوضة لدى فئات أكبر وأكثر. فلا بدّ من علاقات عاطفية كي تصل الفتاة إلى الزواج.  وهذا يؤسّس بالطبع إلى علاقات أكثر متانة بين الجنسين.

لكنّ الأكيد أنّ الضاحية باتت تتّسع لأكثر من اقتراح اجتماعي وأكثر من نمط عيش أو طريقة حياة. ما عاد هناك “تنميط” ولا أحد يجبر أحداً على ارتداء أزياء محدّدة، أو عدم ارتداء أزياء محدّدة. وكما في الصورة المرفقة، المأخوذ أجزاء منها من جريدة “الأخبار”، هناك غير محجّبات مع “حزب الله”، ومحجّبات لسنَ مع “حزب الله”. وهناك حجاب مودرن، وحجاب شديد المحافظة، وحجاب أقلّ محافظة.

هكذا فإنّ الحجاب يتغيّر في الضاحية. ومن لا يوافق فلينزل إلى الشارع و”يكزدر” في صفير وبئر العبد وحارة حريك والمشرفية وعلى أوتوستراد السيّد هادي نصر الله وفي حيّ السلّم.

الحجاب قبل سنوات كان هدفه الحشمة والوقار، وكان من علامات الضاحية. اليوم انتشر الحجاب في مناطق أخرى، بين طرابلس وصيدا وبيروت. لكن هنا في الضاحية هناك تغييرات، وإن طفيفة، لكنّها باتت ملحوظة.

فكثيرة هي الروايات عن فتيات خلعنَ الحجاب في السنوات الأخيرة. ومن منّا لا يعرف أو لم سمع عن فتاة تلبس الحجاب في الحيّ حيث تسكن، أو أمام الأهل، ولا تلتزم به في الشارع أو خارج الضاحية. حتّى المتاجر باتت هناك بعضها يبيع بدل “الثياب الشرعية” الفضفاضة ثيابا أكثر “مودرن” للفتيات المحجّبات. فترى مئات وآلاف المحجّبات يلبسنَ بناطيل ضيّقة وقمصانا عادية، تلبسها غير المحجّبات، وكنزات ضيّقة وفولارات مزركشة، بألوان فرحة، أحمر وأبيض وأصفر وبرتقالي، بعيدا عن الصورة النمطية للفتاة المحجّبة العابسة التي تلبس الأسود دوما، أو البني والرمادي في أبعد تقدير.

الضاحية تتغيّر. وهذا ليس عيباً، لكنّه دليل إلى بداية تمرّد هادىء على التقاليد. رغم أنّ الجزء الأكبر من الفتيات والنساء ما زال ملتزماً بما يشبه “الزيّ الموحّد”.

 

السابق
طائرة استطلاع معادية خرقت الاجواء
التالي
هيئة التنسيق «على المحك» ومحفوض غاضب من بو صعب!