أيها الموارنة: عودوا انّى كنتم

البطريرك الراعي
الموارنة في الوقائع، وبوعي الخوراسقف ليسوا طارئاً على المشرق ولا على لبنان، هم بناة الاثنين مجدا وثقافة وحضوراً، ومنهم كان طانيوس شاهين الذي قال: "باسم الجمهورية نعلنها جمهورية، الدعوة بقيت فردية، لكن المسيحيين ما تخلفوا يوماً عن السعي في مناكب بناء الدولة".

أصاب كاهن للمسيح يدعى الخوارسقف ميشال العويط مقتلاً في الفراغ المسيحي في كتابه «وصيتي الى الموارنة» الصادر عن «دار النهار». أما تضمنه الكتاب بين دفتيه نداء الى المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً للعودة الى أصلهم المشرقي خصوصاً والكوني تالياً.
الكتاب يتجاوز الحيوات الكهنوتية لأمين السر البطريركي على مدى 3 عقود وبعضاً منها، حتى يصح القول فيه انه وثيقة سياسية تفوح منها رائحة البخور في الأديرة المقدسة. هي المرة الأولى التي يظهر فيها الأب عويط الى العلن.
في ما مضى من سنوات ثقيلة على البلد وأهله، كان عويط يتعفف عن الظهور إعلامياً وإعلانياً، ولا يبغي ذلك. كان صادقاً في ولائه الحق الى الكنيسة التي أنتمي اليها قناعة وفعلاً، لم يكن مهجوساً في يوم من الأيام إلا بالمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً.
ليس مغامرة القول، إنه كان أصدق انباء وأسبق على الارشاد الرسولي، في وعيه لدور لبنان «الرسالة». لبنان الذي تنكر له كثر في عشية لا يعلم بها إلا الله ورسوله والذين آمنوا، لا ينطق الأب عويط عن هوى كنسي بقدر ما ينبري الى قول الحق عن رعية أثخنت جراحاً في وعيها وثقافتها.
الموارنة في الوقائع، وبوعي الخوراسقف ليسوا طارئاً على المشرق ولا على لبنان، هم بناة الاثنين مجدا وثقافة وحضوراً، ومنهم كان طانيوس شاهين الذي قال: “باسم الجمهورية نعلنها جمهورية، الدعوة بقيت فردية، لكن المسيحيين ما تخلفوا يوماً عن السعي في مناكب بناء الدولة”.
كاتب هذه الأسطر ليس منافحاً عن المسيحية كدين، بل كقيم أوفت الانسان حقه الأولي في أن يكون إنساناً. والآتي من سياق يندرج كقلة قليلة في ما أورده الأب عويط فلسفة عن ان القدس مار مارون «معلم وعلى مستوى الرسل»، ليكون الموارنة لاحقاً أبناء الحياة وشهوداً عليها، في مسار الترقي والصعود الى مرتبة القديسين في حفظ أسرار الحياة السبعة.
مشقة بناء أسوار الحياة ضد الجحيم المقيم جلية في قول تيودوريطس «لقد قرر مارون ان يعيش في العراء، لذلك أقام على قمة جبل حيث كرس لله هيكلاً كان في القديم مختصاً بالأبالسة، وبنى فيه كوخاً قلما كان يأوي اليه».
في الدعوة هذه نص للمسيحيين ومن بينهم الموارنة، سجية ومساراً كي يعود الموارنة انّى كانوا الى بلد هم بناته الأصليون وليس تنسيباً.
لا يمكن بحال من الأحوال، ان يكون الموارنة والمسيحيون نزلاء فندق يغادرونه متى تقلصت او تراجعت خدماته. دور المسيحيين والموارنة أعظم بكثير مما انتهى اليه حالهم، على ما خلص اليه الأب عويط، بوسع المسيحيين ان يساجلوا أياً كان في أنهم هم المطبعة والفكر وأصحاب الحداثة اللبنانية السابقة على ما عداها من مزاعم حداثوية.
عن حق استجلب أهل السنّة استقلالاً من النحاس باشا في مصر يوم كانت أرض الكنانة تخضع للهيمنة البريطانية. كما أثبت المسيحيون عن صواب سياسي أنهم قادرون على فتح حداثة البلد على تطور سياسي مقيم وليس هذراً. لكن الآن هناك معضلة سياسية جاذرة عند «الشيعية السياسية» بوصفها هي من يحدد «الجيوبولتيك السياسي» للبلد وأهله، وهنا بالتحديد يكمن جوهر «الوصية للموارنة» ودعوتهم ليكونوا أهل دار لا زواراً. هكذا يتقاطع عويط مع الارشاد الرسولي.

السابق
طائرتان حربيتان معاديتان خرقتا الاجواء جنوباً
التالي
فارس سعيّد:«حزب الله» يمنع تطبيق الخطة الأمنية