شرط حزب الله الجديد على الرئيس العتيد

حزب الله
في منهاج المقاومة التدريسي للرئيس المقبل أهمّ المقرّرات هي مادّة جديدة: "السياسة في فنّ القتال داخل سورية". لذا فإنّ أيّ طامح للرئاسة وراغب في النجاح بدرجة متقدمة في صفّ المقاومة عليه أنّ ينال إفادة نجاح موقّعة من منسّق شؤون الرئاسة اللبنانية داخل حزب الله.

حدد حزب الله بوضوح شروطه لانتخاب أيّ رئيس مقبل للجمهورية اللبنانية. وهي شروط قالها اكثر من مسؤول في حزب الله خلال الاشهر الاخيرة. ولا يصعب على أيّ متابع عادي معرفتها وتحديدها بشكل كامل. بالتأكيد لم يضع حزب الله في سياق تحديد المعايير للرئيس الذي يلائمه ان يكون صاحب مشروع اقتصادي، او ان يمتلك رؤية للنهوض بالمؤسسات الدستورية والقانونية، او ان يحمل رؤية للاصلاح الاداري او السياسي، او ان يكافح الفساد، او ان يحمل خبرة في مجال التنمية وما الى ذلك عناوين هي مواصفات ضرورية في بلد تتكالب عليه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتتراجع فيه المناعة الوطنية بشكل مريع.

حزب الله لا يريد من رئيس الجمهورية إلّا تبني المقاومة وحمايتها ومنع المسّ بها في المحافل الدولية. هو مطلب بسيط ولا يبدو في ظاهره مطلبا منفرا او مسيئا او مضرا. هذا ان لم يكن مطلبا محقّا وضروريا للبنان وللدولة وللمواطنين عموماً.

لذا، وببساطة، رفض حزب الله تأييد المرشح سمير جعجع كونه لم يتبنّ طرحه. رغم انّه لم يَعِد بنزع سلاح الحزب بل اكّد على الاستراتيجية الدفاعية التي طالما اعتبرها حزب الله مطلبا محقّاً ولم يرفضها في المبدأ، اي أنّه طالب بإحالة امر القوة العسكرية الى مرجعية الدولة التي يشكل حزب الله احد مكوناتها السياسية والاجتماعية.

لكن لا يحتاج اللبنانيون بعد كلّ هذه السنوات الى كثير من التمعّن والتمحيص لمعرفة شروط حزب الله على الرئيس العتيد، بل على الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وكلما مرّ الزمن زادت الشروط والمطالب. وكلما تراجعت الدولة تمدّد حزب الله وتوسع نفوذه في اكثر من موقع وفي اكثر من اتجاه. بحيث انّ التلازم قائم بين ضعف الدولة وقوة الحزب. حتى يمكن القول انّ هناك علاقة سببية في هذا المضمار، عمّق حضورها ربط نزاع قام واستمر بين “دولة حزب الله” والدولة اللبنانية.

وهذه السببية نشأت بالاساس من التنازع على صلاحيات الدولة. تلك التي لا تقبل الشراكة وتنتسب بطبيعتها ونوعها الى تعريف الدولة. وما دامت اهم وظيفة احتكارية للدولة مصادرة من قبل فئة من الناس، فهذا يعني بالضرورة انّ الدولة ستبقى عاجزة ومنتهكة ومفتقدةً لشرطٍ سيادي وجودي. ولن تصبح قادرة وقوية ولا عادلة من دونه. لذا فإنّ تشريع الوجود المسلح لحزب الله على مختلف الاراضي اللبنانية هو العنوان الكبير الذي يخفي في مضامينه الكثير. فتشريع السلاح تحت مسمى المقاومة حقّقه حزب الله عملياً، وان كان عنواناً يتنافى نظريا مع ابسط قواعد الدستور ومبادئه.

ولأنّ حزب الله توسّع وتمدّد نفوذه، فقد زاد من سلّة الشروط والمطالب. إذ لم يعد على رئيس الجمهورية ان يوافق، تحت مسمّى المقاومة، بحقّ حزب الله بالتسلّح والقتال ضد اسرائيل، وحقّه بالقيام بأعمال امنية وعسكرية في الداخل، وحقّه في التحرّك امنيا وعسكريا في كل المناطق بحرية، واستخدام هذه القوة في ترهيب الخصوم، ودعم الحلفاء، وجعل هذه القوة العسكرية عنصرا اساسيا وطبيعيا للاستخدام وقت الحاجة  في الصراعات السياسية اللبنانية. بل أكثر من ذلك…فما يطلبه حزب الله اليوم من الرئيس هو تشريع قتاله في سورية. وبالتالي فإنّ أوّل سؤال في امتحان حزب الله لأيّ مرشّح الى رئاسة الجمهورية في لبنان هو التالي: هل تعتبر أنّ قتال حزب الله في سورية هو عمل دفاعي عن وطن الارز والحرف؟  الجواب المطلوب هو: نعم، أو: لا. النعم كافية لوضع المرشّح على لائحة المقبولين، واللا كافية لإخراجه من قاعة الامتحان بنتيجة “راسب في صفّ المقاومة”.

في منهاج المقاومة التدريسي للرئيس المقبل أهمّ المقرّرات هي مادّة جديدة: “السياسة في فنّ القتال داخل سورية”. لذا فإنّ أيّ طامح للرئاسة وراغب في النجاح بدرجة متقدمة في صفّ المقاومة عليه أنّ ينال إفادة نجاح موقّعة من منسّق شؤون الرئاسة اللبنانية داخل حزب الله. وسوى ذلك لا حاجة إصلا لوجود رئيس للجمهورية، خصوصا أنّ هذا الحزب منهمك في رسم خارطة المنطقة. وإلى حين إنجاز “المهمة المقدسة” او”الواجب الجهادي”يحسن أن يتخفّف اللبنانيون من الحديث عن الدولة والدستور والفراغ والشغور وما إلى ذلك من عناوين مملّة ولا نفع لها ولا طائل منها.

السابق
شبح لوينكسي يطارد المرشّحة الرئاسية هيلاري كلينتون
التالي
الانباء: حراك الجميل ارتبط بالرغبة بإحباط التوجه الذي بدأ يميل نحو عبيد