الصين تُعلن حرب السيطرة على القارة الإفريقية!

أنهى الرئيس الاميركي باراك اوباما جولة آسيوية شملت اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والفيليبين، وذلك بهدف طمأنة تلك الدول الى تصميم واشنطن على الوقوف الى جانبهم. قدم اوباما في طوكيو دعماً حازماً لليابان في خلافها مع الصين حول جزر سنكاكو، علما ان بيجينغ ترسل بانتظام سفنها الحربية الى محيط جزر سنكاكو منذ أممت طوكيو تلك الجزر الاستراتيجية في ايلول 2012.

تخوف المراقبون من احتمال وقوع نزاع مسلح في حال استمرت التحرشات الاستفزازية الصينية في تحدي اليابان. خصوصا ان الرئيس الاميركي رحب باطلاق يد الجيش الياباني للتعاون في شكل اوثق مع القوات البحرية الاميركية، الامر الذي قد يورط اليابان بصراعات مسلحة مع الصين.

وفي هذا السياق، قرر وزير الدفاع الياباني، ارسال محطة مراقبة الى جزيرة تبعد 150 كيلومتراً عن الجزر المتنازع عليها مع بيجينغ. وترى الأمم المتحدة ان انشاء قاعدة رادار فوق الجزيرة القريبة من عدوتها التاريخية، يمكن ان يوسع نشاطاتها الى اكثر مما هو مسموح.

وفي ضوء ذلك التغيير، اعلنت القيادة الصينية نشر اسطولها البحري بطريقة تمنع الأسطول الاميركي من الهيمنة على غرب الأوقيانوس الباسيفيكي. وفي تصورها ان تلك الخطوة العسكرية ستضعف حلقات التحالف مع الولايات المتحدة، وتدفع اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين الى الوقوف على الحياد. والهدف من كل هذا هو اضعاف قبضة واشنطن داخل المواقع الآسيوية الحساسة، الامر الذي يمنحها الفرصة لسد الفراغ الأمني.

وعلى وقع ذلك التحول، رصدت طوكيو سلسلة تحركات مريبة قامت بها الصين حين ضاعفت عمليات الاستفزاز وأعلنت عن انشاء مجلس الأمن القومي. ومثل ذلك التحول اثّر على اسلوبها الاعلامي بحيث تبدلت لهجة التخاطب مع الجارات، وحلت محلها لهجة التشاوف والمكابرة واستذكار منجزات الماضي السحيق. اي الماضي الذي يرجع الى خمسة آلاف سنة. وعليه بررت لنفسها عملية احتلال التيبت والاستيلاء على اقليم سينكيانغ.

يُجمع المراقبون وخبراء الاقتصاد على القول بأن حاجة الصين من النفط ومشتقاته، دفعتها الى التعاون مع السعودية وايران. كما دفعتها الى فتح اسواق لمنتجاتها الصناعية… والى غزو ادغال افريقيا وتعزيز الروابط التجارية مع دول القارة السمراء.
لهذه الأسباب وسواها، استثمرت الصين في الزراعة مساحات شاسعة من اراضي الكاميرون وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا والسودان واثيوبيا وزامبيا والكونغو الديموقراطية.

وترى القيادة الصينية ان افريقيا تحتوي على ثروات من المعادن النادرة تشكل ما نسبته اكثر من ثلث احتياطي ثروات المناجم في العالم. وعلى سبيل المثال، فان النيجر والصومال وناميبيا وافريقيا الوسطى، كل هذه الدول تملك اكبر مخزون لمادة الأورانيوم. كذلك تتوافر في القارة السوداء ما نسبته خمس احتياطي العالم من الماس والذهب.
قبل سنوات عدة، قام وزير خارجية الصين بجولة طويلة شملت اربع دول افريقية هي اثيوبيا وجيبوتي وغانا والسنغال.
وكان الهدف من تلك الجولة، حماية السفن الصينية من القراصنة الذين يتعرضون للبحارة في خليج عدن ومضيق باب المندب. وقد باشر عمله بزيارة جيبوتي كونها تمثل البوابة البحرية لشرق افريقيا.

ومع ان فرنسا والولايات المتحدة تحتفظان بقاعدتين عسكريتين في جيبوتي، الا أن الصين عرضت ان تمثل دور البديل في المنافسة القائمة بين الدول.
ولوحظ في هذا السياق ان جيبوتي اصبحت محطة الترانزيت من اجل تزويد السفن الصينية بالوقود.
وبما ان بور سودان في السودان، تحول الى عملية ابتزاز متواصلة فقد استعاضت عنه بيجينغ بانشاء ميناء في كينيا لتصدير نفط جنوب السودان.
ونظرا الى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها اثيوبيا، فقد نجدتها الصين بقرض قيمته 17 مليار دولار، صرفت نصفه على توسيع مطاراتها.

اما بالنسبة لغانا، فإن اهميتها تنبع من كونها احدى الدول المنتجة للنفط، اضافة الى أنها ثاني اكبر دولة منتجة للذهب بعد دولة جنوب افريقيا. لذلك سارعت الصين للاستثمار في هذه الدولة الواعدة، بحيث بلغت صادرات الصين اليها اكثر من 5 مليارات دولار.

وعلى الرغم من عامل اللغة في السنغال (فرانكوفون) فإن الصين نجحت في ان تكون اكبر شريك تجاري عبر تنفيذ سلسلة مشاريع بينها مطار العاصمة داكار، وبناء مستشفى للاطفال والتخطيط لبناء مجمعات رياضية.
مصادر الأمم المتحدة تعزو اهتمام الصين بأفريقيا الى عوامل عدة سياسية واقتصادية:

اولاً – عقب مؤتمر باندونغ سنة 1955 حرصت بيجينغ على تأمين حصولها على تأييد الدول الافريقية في مواجهة حكومة فورموزا (تايوان) وكانت بهذا التوجه تسعى لأن تكون وحدها الممثل الشرعي للشعب الصيني.

ثانياً – عرضت الصين نفسها كمعارضة للأسلوب الاستعماري الذي انهك القارة، وقدمت سياستها كدولة منقذة من نير الدول الاوروبية. مثال ذلك ان جيبوتي كانت خاضعة للنفوذ الفرنسي، في حين كانت غانا خاضعة للتاج البريطاني. اما اثيوبيا فكانت تعاني من الاحتلال الايطالي. وبفضل هذا الاسلوب، نجحت بيجينغ في احداث اختراق تجاري اكسبها تأييد الدول الافريقية.

ثالثاً – في نهاية سنة 2012 وقّعت الصين اتفاقات تجارية واقتصادية وصناعية مع 32 دولة افريقية. ثم قامت بإنشاء لجان اقتصادية مشتركة مع 45 دولة. اضافة الى هذا، فإن حجم التجارة لسنة 2013 وصل الى مئتي مليار دولار.

رابعاً – اللافت في هذا الموضوع، ان الشركات الصينية تحاشت التورط مع الحكام في الامور السياسية، واكتفت بأن قدمت خدماتها للشعب في صور مشاريع تتعلق بالبنية التحتية والرعاية الصحية والمنح الدراسية وكل ما يهم المواطن العادي. ولهذا كسبت محبة الناس.

تقول دراسة اجرتها اخيراً الأمم المتحدة ان عدد سكان افريقيا يتجاوز المليار نسمة، وان الطبقة الوسطى تمثل حالياً اكثر من 300 مليون شخص.

وتشير الدراسة ايضاً الى ظهور نيجيريا كأكبر بلد افريقي من حيث عدد السكان (170 مليون نسمة). كما أنه يُعتبر اول منتج افريقي للنفط، مع اجمالي ناتج داخلي بلغ السنة الماضي 510 مليارات دولار.
الا ان الخبراء يرون ان هذه الارقام يجب ان لا تفسر على انها دليل تنمية، حيث ان جنوب افريقيا تتقدم نيجيريا كثيراً بالنسبة لحصة الفرد من اجمالي الناتج المحلي والبنى التحتية وحسن الادارة.

ففي حين ينعم جزء صغير من سكان نيجيريا بثراء فاحش فإن الغالبية العظمى من ابناء الشعب، تعيش بأقل من دولارين في اليوم. كل هذا يترافق مع شح في مياه الشرب، وانقطاع متواصل للتيار الكهربائي، واستشراء للفساد في مختلف جوانب الحياة.
الحكومة النيجيرية تتوقع بأن تصبح بين أضخم الاسواق الاقتصادية بعد سبع سنوات. اي مثل الهند وروسيا والبرازيل. ومثل هذا النوع من النمو سيخفض اعداد الفقراء في البلاد.
بالنسبة لـ” الربيع العربي” فان الصين اتخذت موقفاً غير محايد، وانضمت الى روسيا في مجلس الأمن. اي انها وقفت مع النظام السوري ضد المعارضة.
ولكنها في ازمة الشرق الاوسط تخلت عن الموقف الذي اتخذه ماوتسي تونغ طوال اربعين سنة تقريباً. وفي آخر السنة الماضية ارسلت بيجينغ وزير خارجيتها الى اسرائيل في زيارة انتقدتها الدول العربية بشدة.
وفي لقائه مع المسؤولين في تل ابيب، شدد الوزير الصيني على اهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ثم عرض مشروع سكة الحديد التي ستربط آسيا بأوروبا كما تحدث ايضاً عن مشروع ربط ميناء ايلات على البحر الاحمر بميناء اشدود على البحر المتوسط.
يقول المؤرخون ان قادة اسرائيل خفضوا حجم علاقاتهم ببريطانيا فور حصولهم على قرار تقسيم فلسطين. وبرر بن غوريون ذلك العمل بالقول ان اسرائيل تبني سياستها الخارجية على التقرب من اقوى دولة في العالم خلال مرحلة معينة.
وكان بهذا الكلام يشير الى انسحاب اسرائيل من تحت المظلة البريطانية بعد ان ساعدته لندن على استثمار وعد بلفور، وادخال المهاجرين تحت حماية بندقية الجنرال اللنبي.
وأرسى بن غوريون في هذا المجال قاعدة سياسية مفادها “اعتماد بلاده دائما على اقوى دولة في العالم”. وهذا ما يفسر انسحابه من تحت مظلة الحماية البريطانية… الى التحالف مع الولايات المتحدة.
واليوم بدأت اسرائيل تتعاون مع الصين منذ ظهور الدولة الآسيوية الكبرى، كقوة مناهضة للقوة الاميركية. وقد دشنت هذه العلاقة بتزويد بيجينغ بأهم اسرار التكنولوجيا المتطورة التي يحتفظ بها البنتاغون وكان الجاسوس بولارد هو الذي قام بالمهمة المعهودة.
في حديثه الى الاعلام الاسرائيلي، لمّح وزير خارجية الصين الى طموحات بلاده الهادفة الى السيطرة على المحيطات الثلاثة. وذكر في هذا السياق ان بلاده باشرت بتطوير ميناء عدن، كجزء من مشروع منظومة الموانئ التي تنشئها من بحر الصين الجنوبي الى الساحل الافريقي في السودان.
ويتوقع المراقبون ان تتطور هذه الحرب الصامتة بين الصين والولايات المتحدة، الى حرب معلنة ضمن الصراع للسيطرة على الطرق البحرية التي كانت تسيطر عليها بريطانيا (العظمى) قبل الحرب العالمية الثانية. وعندما انهارت بريطانيا، تنافست الدول على وراثة مواقعها الاستراتيجية.
واليوم، يلوح الصراع الاميركي – الصيني كمعركة عالمية من معارك القرن الحادي والعشرين!

السابق
تفجير ذخائر في محيط حولا
التالي
مهرجان شعري في النبطية