من يُهيّئ الشارع في لبنان لانفجار اجتماعي يطيح بانتخابات الرئاسة؟

اعتصام هيئة التنسيق

بدأت جهات سياسية لبنانية ترسم علامات شكوك وريْبة حيال تصاعُد مظاهر التوترات الاجتماعية التي أشعلتها دفعة واحدة الجلسات التي يعقدها مجلس النواب منذ اسبوعين والتي تصدر عنها قوانين متعاقبة سرعان ما تثير موجات احتجاجات واسعة يكاد صخبها ان يحجب «هدير» الانتخابات الرئاسية التي دخلت البلاد في مدارها منذ 25 مارس الماضي.

فمع ان ثمة عاملاً موضوعياً يتصل بهذه الظاهرة لكون البرلمان انعقد بعد غياب طويل دام اكثر من احد عشر شهراً وتراكمت خلالها عشرات الملفات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية الملحة للبنانيين، فان ما استوقف الجهات السياسية اللبنانية ان الاجواء التي نشأت عن إقرار مجموعة قوانين باتت تنذر بوضع شديد الاضطراب على الصعيد الاجتماعي بدفع واضح من قوى سياسية مشاركة في الحكومة مما يثير الشبهة في توظيف الواقع الاجتماعي لمآرب سياسية قد يكون من بينها تهيئة البلاد لاحتمالات الفراغ في رئاسة الجمهورية اذا تَعذّر التوافق على انتخاب رئيس جديد قبل 25 مايو المقبل وخصوصاً في ظل استحالة القيام بأي تفجير أمني واسع يبرّر إرجاء الانتخابات الرئاسية لان في ذلك إحراجاً لأطراف اقليميين وخرقاً لقرار منْع المس باستقرار لبنان الذي توافقت عليه جهات عربية واقليمية ودولية.

وتقول هذه الجهات لـ «الراي» ان من الغرابة بمكان ان يشهد لبنان مفارقة متناقضة اذ يجري تنفيذ خطة امنية في طرابلس سجلت قدراً عالياً من النجاح وتجري الاستعدادات لتوسيعها الى البقاع الشمالي، وفي المقابل يتمّ تسخين الواقع الاجتماعي من خلال إصدار دفعات سريعة وكثيفة من القوانين المثيرة للاحتجاجات الاجتماعية والنقابية مما ينذر بتهيئة الشارع لانفجار واسع.

 وقد اتخذ هذا الامر أقصى أبعاده خطورة مع تعذر ايجاد مخرج لملف سلسلة الرتب والرواتب الجديدة (لموظفي القطاع العام العاملين والمتقاعدين والمعلّمين) التي تناقشها اللجان النيابية المشتركة قبل احالتها على مجلس النواب في جلستيه التشريعيتين اليوم وغداً، اذ هددت القوى النقابية بثورة عارمة في حال عدم احالتها على البرلمان اليوم لإقرارها رغم التحذيرات من الآثار المالية والاقتصادية الهائلة التي ترتّبها أرقام السلسلة البالغة نحو ملياري دولار اميركي.

وتساءلت هذه الجهات عن سرّ إقحام مجلس النواب والحكومة في مأزق كان يمكن تجنبه لو اعتُمد حصر جدول اعمال جلسات مجلس النواب بالقليل من القوانين الملحة واستباق مأزق سلسلة الرتب والرواتب بحوار هادئ مع الهيئات النقابية باعتبار ان مهمة الحكومة الحالية تنحصر بالأمن والاستحقاق الرئاسي.

وأعربت تالياً عن خشيتها من ان يكون ثمة ما يتجاوز البُعد المطلبي والتشريعي في تنامي الاحتجاجات وتوظيفها سياسياً وصولا الى جعل مناخ الاضطرابات الاجتماعية احدى الوسائل للضغوط في الاستحقاق الرئاسي سواء في اتجاه فرض مسار معين لمصلحة مرشحين معينين او في اتجاه تعطيل الانتخابات الرئاسية.

في اي حال شهدت الساعات الماضية تكثيفاً للمساعي والمشاورات التي رافقت انعقاد اجتماع اضافي للجان النيابية المشتركة التي حاولت التوصل الى بت نهائي لمشروع السلسلة بما يوفق بين نفقاتها الكبيرة والايرادات المالية التي تطلبت فرض الكثير من الضرائب الجديدة. ولكن المأزق بدا متجهاً الى مرحلة تصعيدية بعدما رفضت الحركة النقابية اقتراحاً لحاكم مصرف لبنان بتجزئة السلسلة الجديدة (تنطوي على زيادة رواتب بنسبة 121 بالمئة توازي نسبة التضخم التراكُمية منذ العام 1995) على خمس سنوات منذرة بالنزول الى الشارع.

وفتحت قنوات الاتصالات بين رئاسة المجلس والحكومة قبيل انعقاد مجلس الوزراء مساء امس للنظر في كل الاحتمالات والتحسب لها خصوصاً ان الهيئات النقابية كانت تستعد لإطلاق «انتفاضتها» اليوم بالتزامن مع عودة مجلس النواب الى استئناف جلساته التشريعية.

ويضاف الى ملف السلسلة احتجاجات اخرى بدأت مع تحرك المستأجرين القدامى رفضا لقانون الايجارات الجديد وتحرك اخر للمتطوعين في الدفاع المدني وتحرك مماثل لهيئات نسائية لاحداث تعديلات على قانون حماية النساء من العنف الأسري.

وبقيت الانظار على الاستحقاق الرئاسي من بوابة التوقعات بان يدعو الرئيس نبيه بري الى اول جلسة انتخاب في 16 الجاري دون اتضاح افق مثل هذه الدعوة وسط تقديرات بان لا يتأمن نصاب الثلثين لانعقادها وهو النصاب الذي يبقى «سياسياً» قبل ان يكون «رقمياً».

ويفترض ان يسبق هذه الجلسة الاجتماع المنتظر ان تعقده قوى 14 آذار لحسم مسألة تبني ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لرئاسة الجمهورية.

ومع الاستعدادات لهذا الاجتماع، يستمرّ التواصل بين جعجع و«تيار المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري حيث زار النائب السابق غطاس خوري جعجع مساء الاثنين موفداً من الحريري وكان لقاء مطول بحث في الاستحقاق الرئاسي بجوانبه كافة «وضرورة الحفاظ على وحدة قوى 14 آذار في هذه المرحلة لإيصال مرشح موحد من قبلها الى سدة الرئاسة»، بحسب بيان الدائرة الاعلامية في «القوات» التي اشارت ايضاً الى ان الاجتماع تخللته «جولة أفق حول الأوضاع السياسية العامة في لبنان والمنطقة»، علماً ان جعجع كان استقبل في السياق نفسه السبت مدير مكتب رئيس تيار «المستقبل» نادر الحريري.

السابق
المشنوق: قانون تثبيت الدفاع المدني سينتج اعباء مالية كبيرة على الدولة
التالي
حزب الوجود: لاحتضان الدور الايجابي الناجح والمميز للجيش والقوى الامنية