من سرق المقاومة والجهاد؟

من ضمن التلوث السمعي والفكري الذي أصاب المنطقة اليوم حالة «اختلاط» و«تسمم» لمفاهيم ومعانٍ عظيمة بسبب اللعب بمضمون الكلمات ومغزاها.
ومن أهم الكلمات التي وقعت في أوحال ومستنقع هذا الأمر كلمتا «المقاومة» و«الجهاد»، وهما معنيان عظيمان ونبيلان وفي منتهى الأهمية، ولكن تم توظيفهما لمآرب سياسية وفكرية وعسكرية بشكل عجيب ووصولي ورخيص.
فرأينا جماعات أصولية متطرفة ومتشددة مثل فصيل حزب الله اللبناني الذي حوَّل «المقاومة» إلى شعار سياسي يبتز به الحكومات في بلاده ويعطل تشكيلها و«يهدد» بها ويغزو بلادا مجاورة ويقاتل شعبها مؤيدا لحكم طاغية ومستبد، ومن جهة أخرى وطرف آخر، هناك من كان يستخدم لفظ «الجهاد» كتنظيم القاعدة الإرهابي ليحصد أرواح الشباب المغرر بهم ذات اليمن وذات الشمال وفي مختلف بلدان العرب والمسلمين ودول العالم مفجرين أنفسهم وغيرهم في خسارة حمقاء على الجميع، بينما يبقى في الحالتين زعماء جبناء يختفون مختبئين في الكهوف والجحور يجلجلون أنصارهم بخطب مسجلة مليئة بالوهم والأكاذيب والأساطير، لم ينتج منها إلا عداء ودمار وقتل ودماء، ولم يجنِ منها العامة إلا كل ما هو مضر وكل ما هو سيئ.
إنه الخداع والكذب الأكبر اللذان وقعت ضحيتهما المنطقة اليوم. ليس هذا المشهد بجديد.. إنه إرث تراكمي عانت منه المنطقة، وهو نفس الإرث الذي أفرغ فرقا مثل «الحشاشين» و«الخوارج»؛ مجاميع مهووسة، موتورة بلا بصر ولا بصيرة تقودهم شخصيات نرجسية غارقة ومنغمسة في الذات والأنا المعظمة، يسكرون من هتافات ومن تمجيد القطيع الذي يتبع كل ما يقولون بلا تفكير ولا تدبير.
في ظل غياب العقل وغياب الضمير وغياب المنطق وغياب الروح عن كل الشأن الديني والسياسي تكون التربة خصبة لإنتاج كل ما هو متطرف ومهووس، وواقع الأمر أنه لا توجد مقاومة اليوم إلا في فلسطين، فحزب الله انتهى كفصيل مقاوم ضد إسرائيل، وهو وقياداته يدركون ذلك تماما، فبعد مغامرتهم في 2006 تحول سلاحهم إلى الداخل اللبناني و«تحت الطلب» في الجارة سوريا، وكانت بالتالي حدود لبنان مع إسرائيل في أمانٍ منذ ذلك الحين، ولم يعد أحد يجرؤ على ذكر مزارع شبعا (التي هي في واقع الأمر سورية وليست لبنانية).
أما الحديث عن مقاومة في سوريا فأكتب هذا السطر وأنا لا أتمالك نفسي من الضحك، فالحديث عن المقاومة في سوريا أشبه بالحديث عن الحياة على كوكب زحل، وبالتالي لم تعد هناك مقاومة إلا في فلسطين المحتلة، وما عدا ذلك فهو ببساطة الاتجار بالمقاومة أو المقاومة من الباطن، وهي مسائل لا علاقة لها أبدا بالهدف الشريف للمقاومة العظيمة التي فيها عدو واضح ومحتل يجمع على ذلك الهدف الجميع. وكذلك الأمر بالنسبة لـ«الجهاد»، فهو المعنى العظيم الذي جرى تشويهه عبر جماعات موتورة ممن خلطوا الدين بالسلاح والسياسة وبرروا كل غاية لأجل كل وسيلة، فخلطوا الآيات والأحاديث، وجمعوا فتاوى شاذة وغريبة، وقدموا خلطة شيطانية لشباب مليء بالحماس وخالٍ من العلم المتمم لهذا الحماس، بعيدا عن شروط الجهاد الشرعية أساسا.
مسألة تطهير المنطقة تماما من سارقي المقاومة ومحتالي الجهاد لم تعد فقط مسألة اختيارية أو ترفيهية، ولكنها مسألة مصير، فهنا الأمر لا يرتبط بحرية رأي أو تعبير، ولكنه الحق في الحياة الذي لم يعد مضمونا في ظل وجود خطر يتهدده من مجاميع مجرمة لا تتوانى عن فعل أي شيء والخلاص من أي أحد باسم الدين وتفسيرهم لهذا الدين.. الجهاد والمقاومة منهم براء. لم ينلنا ممن خطفوا تلك المعاني النبيلة سوى المر والسوء، وعلينا جميعا تقع مسؤولية فضحهم وكشفهم والخلاص التام منهم، فلم يعد أبدا مكان لهم بيننا!

السابق
المالكي يحاول تسويق بشار
التالي
أين الاقتصاد حينما نحتاج إليه؟