بعد الحكومة هل يطبّق حزب الله 1701 ويوحّد الأجهزة؟

جمهور حزب الله
بعد تصاعد العمليات الارهابية ضد بيئة حزب الله وجبهته الداخليّة ظهر ان لا بد له من العودة الى شراكة الحقيقية مع باقي مكونات الشعب اللبناني، ولا بد من العمل على توحيد الأجهزة الأمنيّة و تطبيق القرار الدولي 1701 القاضي بمراقبة الحدود مع سوريا وحمايتها.

لم يكن يخطر في بال أكثر المتشائمين في حزب الله وفريق 8 آذار أن تؤول الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم بعد ثلاث سنوات من عزل تيار المستقبل عن الحياة السياسية عبر إسقاط حكومة سعد الحريري والإتيان بحكومة نجيب ميقاتي ذات اللون الواحد. تلك التي تسلمت السلطة لكنّها لم تستطيع أن تحكم، إذ فاجأت الراعي الإقليمي السوري ثورة داخلية تحوّلت إلى حرب أهلية ضروس بينه وبين فصائل الثوار المسلّحة التي تسلّل إلى صفوفها “الإرهاب الإسلامي المتطرف” آتياً من العراق عبر “داعش” و”النصرة” وغيرها من تنظيمات “القاعدة”.

اليوم خطا حزب الله خطوته الجريئة الأولى، بعد أن تفشّى الإرهاب ضدّ بيئته الحاضنة وجبهته الداخلية فضربها في الضاحية الجنوبية والبقاع وبئر حسن أكثر من مرّة. وبدأ يدرك أن الإرهاب القادم من سوريا لن يوقفه سوى تصحيح خطأه الفادح الذي وقع به، ووافق بعد طول امتناع وسهَّل تشكيل الحكومة كما قال السيد نصر الله في خطابه الأخير. حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها حليف تيار “المستقبل” تمام سلام.

 هذه كانت الخطوة الأولى من الحزب، وعلى وقع تفجير بئر حسن الثاني الذي استهدف أوّل من أمس المستشارية الثقافية الإيرانية تسلّم الوزراء الجدد في الحكومة العتيدة مهامهم.

أما الخطوة الثانية، التي لا بدّ منها كي تستقيم الأمور الأمنيّة هي أن تنتقل آليات تطبييق مفاعيل تلك الوحدة الوطنية على الأرض، وأهمها “توحيد الأجهزة الأمنية”. إذ أنّ تقاسم تلك الأجهزة أساء إلى دورها وسمعتها بين المواطنين بشكل كبير. والمواطن اللبناني تعوّد على وجود المحاصصة في الحياة السياسيّة التي جعلت من الوزارات تذهب واحدة لهذا الفريق وأخرى لذاك. أما أن توزّع الأجهزة الأمنيّة محاصصة فيقال ان جهاز استخبارات الجيش اللبناني محسوب على “حزب الله”، وجهاز “فرع المعلومات” محسوب على “تيار المستقبل”، فهذا أمر جعل من هذين الجهازين اضافة الى “الأمن العام” و”أمن الدولة”، تظهر وكأنّها أجهزة مفكّكة مضعضعة وحتى مناطقية في بعض الأحيان.

وحسناً فعل فرع المعلومات في الأيام القليلة التي مضت وأعقبت تشكيل الحكومة منذ أسبوع، إذ أظهر انه ما زال الجهاز الأمني الأكثر كفاءة وجرأة، فألقى القبض على ثلاث مجموعات إرهابية أحد أفرادها، كما أعلن  في الإعلام، له علاقة بالتفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية. فإذا كانت عودة فرع المعلومات إلى الصورة بهذه القوّة أتت كأوّل ثمرة من ثمرات حكومة الوحدة الوطنية، فكيف يكون الحال إذا ما توحّدت تلك الأجهزة وبدأ التنسيق على المستوى العملياتي والمعلوماتي بينه وبين “جهاز استخبارات الجيش” وباقي الأجهزة؟

بالطبع سيتضاعف الجهد الأمني في مكافحة الإرهاب من تفجيرات واغتيالات في جميع أنحاء الوطن دون استثناء، بعد أن تتخلّى الطوائف عن أمنها الذاتي.

إذن لا بدّ من خطوة جريئة ثانية يقوم بها حزب الله ويوافق عليها المستقبل وهي “توحيد الأجهزة الأمنية” وعدم تطييفها ولا مانع في النهاية في المداورة كما اعلن انها ستشهدها وزارات الحكومة. أي أن يكون رئيس فرع المعلومات شيعي مثلا، ورئيس جهاز مخابرات الجيش سنّي أو مسيحي، فالمحاصصة أساءت في النهاية لأمن الجميع، والأمن لا يجوز اللعب فيه أو اللعب معه كما يتلاعب السياسيون ببعضهم في بلدنا ويتجاذبون أسباب القوّة ويتنابذون ويتخاصمون.

الخطوة الثالثة التي لا بدّ منها فهي ما أعلنه وزير الداخلي نهاد المشنوق، أحد صقور 14 آذار، وقالها بصراحة، أنه لا بدّ من إغلاق “معابر الموت” بين لبنان وسوريا. أما كيف يكون ذلك، فهو أيضاً بالعودة إلى القانون، ولكن هذه المرّة القانون الدولي، فالقرار 1701 يوصي بمراقبة الحدود بين لبنان وسوريا لعدم إدخال أسلحة إلى أراضيه.

وإذا كان موقف حزب الله حاسم في هذا المجال بعدم موافقته على هذا الأمر لأنه “يحاصر المقاومة” فإنّ المقاومة اليوم يجب أن تتواضع وترى الأمر بوضوح أكثر. فالشرّ القادم من خلف الحدود بات أكثر من الخير، ونظام الأسد لن يستطيع البقاء الى الأبد، وقوات حزب الله التي تدعمه لن تفلح أكثر من إطالة أمد عمره بقليل قبل التسوية الدولية. ولن تعود الأمور لما كانت عليه بالسابق، ومع هذا الكم من الحقد الطائفي المذهبي الذي تعوزه هذه الحرب، وانتقال إرهابها إلى لبنان ليضرب بيئة حزب الله وجمهوره.. بات حساب الخسارة على بيدر الحزب أكثر من حساب الربح من وراء تدخله العسكري في البلد الشقيق. فحتى لو سقط نظام بشار الأسد وأتى من أتى ليحكم فإنه مع تطبيق القرار 1701 سوف يرى حدوداً محميّة دولياً أمامه لن يقدر أحد على اختراقها. والدول الغربية ملزمة بالدفاع عن جنودها الدوليين والتصدّي لمن يحاول عبورها كان من كان.

أما بالنسبة لخط إمداد المقاومة الذي سوف يقطع عن طريق سوريا كما يقول ويردّد حزب الله دائماً، فإنّ الحرب الآتية، إذا ما وقعت مع إسرائيل، سواء بقي النظام السوري أم رحل، هي ليست بحاجة إلى طريق إمداد برّي، إذا توافق حزب الله مع باقي مكونات الشعب اللبناني وتوحّدوا حول سلاحه الذي عاد “مقاوما”، لا مساندا لنظام قمعي شمولي، معرّض للسقوط في أيّ لحظة، وهو ان لم يسقط اليوم بالقوة سيسقط غدا بالتسوية حتما.

ثلاث شروط طبق حزب الله أحدها: وهو المساهمة في تشكيل حكومة الوحدة الوطنيّة، ولا بد من تطبيق الشرطين الآخرين للقضاء على الإرهاب التكفيري، وهما: توحيد الأجهزة الأمنية، وتطبيق القرار الدولي 1701 القاضي بمراقبة وحماية دوليّة لحدودنا مع سوريا.

فهل يجرؤ حزب الله ان يتخطى خطوطه الحمر التي وضعها لنفسه فيشارك باقي اللبنانيين في “الأمن والعسكر” كي ينجو هو والبلد من قطوعي “الارهاب” و”الفتنه المذهبيّة”؟ أم سيفضّل أن يبقى متفرّدا مستقويا بمحور الممانعة على أمل بقاء نظام الأسد الى الأبد؟

السابق
تفجير أجسادنا: فدا صرماية من؟
التالي
هل الله يكتب؟