مراوحة في لبنان وتشدّد أميركي في سوريا

من نافل القول إن حظوظ تأليف حكومة لبنانية جديدة قد تراجعت الى حدّ الإضمحلال، أقلّه في هذه الفترة التي ينصبّ فيها الإهتمام على الملفّ الإقليمي الأكبر والأهم، سواء من بوّابته السورية أو الإيرانية.
تشير المعلومات المتداولة في واشنطن الى أنّ الإدارة الأميركية بكل فروعها، باتت متأكدة من أن تحقيق خرق ما في جدار الأزمة الحكومية اللبنانية، ليس مُمكناً ما لم تُذلّل العقبات التي تعترض مسيرة التأليف.
وتنفي أوساط أميركية حصول اتصالات جدّية مع أطراف لبنانية، حاولت تسويق معلومات بدت كأنّها مقايضة رخيصة تحت عناوين اقتصادية، خصوصاً ما قيل عن قضية النفط ومشتقاته.

وتقول “إن الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان أسقط في يده حتى إمكان تأليف “حكومة أمر واقع”، بعد سحب الغطاء المحلي والإقليمي الذي كان يستظلّ به في الأسابيع الثلاثة الماضية، بفعل التغييرات السياسية المتسارعة التي حصلت، وبات “مسيحياً” وحيداً في مسعاه، بعد تراجع القوى السياسية المختلفة، وشروط البطريركية المارونية لضمان “تأليف حكومة وطنية”.

وتلفت إلى أنّه “حتى الدور الذي حاول رئيس مجلس النواب نبيه برّي تأديته، بَدا محكوماً بسقف حديدي لا يُمكنه القفز فوقه، وبحدود ترسم له دوره وموقعه في المعادلتين الوطنية والطائفية. في حين أنّ مواقف الأطراف الاخرى تحكمها مجدّداً التوازنات الإقليمية التي فرضت عليها التراجع عن تأييد الخطوات الأحادية التي كان سليمان سيُقدم عليها”.

وتضيف هذه الأوساط :”لكنّ ما يثير القلق هو المعلومات التي تتحدّث عن مغامرات عسكرية يصرّ أصحابها على القيام بها، على رغم علمهم المسبق بنتائجها السياسية والميدانية الكارثية، وبتداعياتها على البيئة السياسية المختلطة في لبنان. فحديث وسائل الإعلام عن استعدادات لخوض معارك جديدة في “يبرود” السورية وغيرها من المناطق المتصلة بلبنان، يكشف طبيعة هؤلاء السياسية الأصلية، ولا يتّصل الأمر فقط بتنفيذ أجندة خارجية، بمقدار ما يتّصل بطبيعة فهمهم لمنطق النزاع في المنطقة اليوم”.

وتربط الأوساط نفسها بين هذه المعلومات والمسارات المتعرّجة التي دخلها النزاع في سوريا وحولها. وتشير الى أن “التقرير الأخير لوزارة الخزانة الأميركية والذي يُعدّ من أخطر التقارير المرتبطة بمتابعة ملفات الإرهاب في المنطقة، أظهر لغة جديدة وحسابات أخرى بدأت تعتمدها الإدارة الأميركية، خصوصاً أنه تضمّن أسماء وتواريخ ومواقع واضحة جداً تُبيّن أنّ أنشطة إرهابية عدّة لتنظيم “القاعدة”، نُفّذت وتنفَّذ بجهد إيراني ـ سوري وبتمويل وتنسيق مشتركَين”.

ويكشف التصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي جون كيري حول إيران، في شكل لا لبس فيه، أن لا إمكان للبحث في أي ملف إقليمي معها ما لم يُغلق ملفها النووي، ما يعني أن كشف حساب عسير معها لا يزال يدور حوله اشتباك كبير.

هناك من يتحدّث عن “خلط للأوراق” داخل الإدارة الأميركية ومؤسساتها، حول طبيعة الردّ على التحديات والأخطار الأمنية التي بدأ يثيرها الوضع في سوريا وحولها.

فعُقدت أمس ثلاث جلسات استماع في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، لعلّ أبرزها جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ حضرها مدير وكالة الأمن الوطني جايمس كلابر حول التهديدات الأمنية في العالم وعلى الأمن الوطني الأميركي، وجلسة للجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب حضرتها مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون حول السياسات الدفاعية والأمنية في الشرق الأوسط .

وتعتقد تلك الأوساط أنّ سباقاً محموماً يجري على الأرض بين إيران و”حلفائها” من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى، حول سبل الردّ على تلك التهديدات، وأن التحديات التي تثيرها القضيتان الأمنية والإنسانية في سوريا، يترتّب على طريقة مواجهتها مستقبل الستاتيكو السياسي المقبل في المنطقة.

وترى هذه الأوساط “أنّ استكمال معركة إسقاط “داعش” وتطويقها في مناطق المعارضة السورية، والموقف السعودي من التعامل مع الجهاديين، يعكس في واقع الأمر قراراً استراتيجياً اتّخذ يقضي بإسقاط ورقة الإرهاب من التداول الإعلامي الرخيص”.

وفي هذا المجال، تتحدّث المعلومات عن رفع غطاء شاركت فيه كل من السعودية وقطر ودول الخليج وتركيا، بالتنسيق العملي تحديداً مع أجهزة الإستخبارات الغربية والأميركية التي أعادت تموضعها العملي على النقاط الحدودية السورية المختلفة.

ولعلّ ما يجري في جنيف اليوم أو في أروقة الأمم المتحدة والمواقف الروسية منها، أو في أوكرانيا، قد يكشف النقاب عن مساومات كبرى لا بد من مراقبتها جيداً.

السابق
بري: لوجوب دعم الجيش في محاربة الإرهاب
التالي
هل في استطاعة الحوثيين هضم انتصاراتهم؟