عبثيّون بلا أفق

الهواء والماء والتراب عناصر تشكل نسيج الحياة داخل شبكة متصلة الأبعاد، يرتكز أحدها على الآخر في حلقة لفتت الإنسان الأول باحثاً عن مصادر طاقة تجدد بناء خلايا جسده. إلا انه وعى قدسيتها في بناء وحدة الحياة فاستغلّ كل مساحاتها متاجراً، محارباً، مستأثراً، وما وعى علاقة أخضر النبات، إبن التراب والهواء والماء، بنور الشمس مصدر الحياة التي تضج كل صباح بفرح الوجود.

متلازماً مع فرح الطبيعة كان الجشع الإنساني القاسي، فأنتج العداء بين الإنسان والإنسان. ولمّا كشف كنوز باطن الأرض، اتسعت هوّة تنافس شرس تغذيها أطماع امتدت على كل مساحات الكوكب، وشكّلت مصدر الحروب حتى عصرنا الحديث الذي يشهد على أسوأ مجازر إبادة تحمل جهل الإنسان الأول لمّا كان سلاحه حجراً مروّساً يقذف به عدوه حيواناً أو إنساناً، لا فارق.
وعلى ضفاف المجتمعات البشرية المتنافسة نبتت فلسفات أضافت الى المسار الإنساني بعض إدراك للحق وللخير، كالحرية والديموقراطية في اليونان القديمة. إنما بقيت هذي النظريات داخل صفحات الكتب، وظلّ المظلوم يطمح الى سحب الحرية من قلب الظالم، محارباً، مدمّراً بلا رحمة ما جعله أسوأ بكثير من المستبد. وهذا ما يجري اليوم في العالم العربي الإسلامي الذي بات مفككاً مذهبياً واجتماعياً واقتصادياً داخل مشاهد كارثية، يفتقد من ينفذ فصولها الى الضمير مما جعل الحديث عن الحرية مثيراً للسخرية، فالإنسان ينضج لفهم نبض الحرية ولمّا يستحقها يقدّر قدسيتها التي لا تقوم على سفك الدماء، على درب تطور الوعي البشري.
كذلك ينضج الإنسان للحب ولن يبلغه بأمر ديني أو فلسفي. هنا معضلة إنسان كل الأزمنة، ينادي بالمثاليات ولا يقبض إلا على جهل حمله على مر التاريخ، إيمانه الحقيقي لا يتخطى مبدأ القوة التي لا تعرف حدوداً للعنف، نشهد عليه اليوم في عالمنا العربي مدمراً حضاراتنا التي ينقصها العدل والصدق والحق والحب.
طفلة سورية مهجّرة الى ربوعنا، حلوة كتفاحة، أجابت عن سؤال إعلامية تحمل ميكرو جعل الصغيرة نجمة مشعّة في ظلام دامس وحده حقيقي في حروبنا البطولية، المذهبية، العبثية، أجابت باسمة : أحب مدرستي في سوريا وأريد العودة اليها والى رفاقي. وحدها الصغيرة الجميلة في المشهد السوري تختصر مؤامرة غباوة خبيثة عربية غربية يقف أبطالها معاً على درجة انحطاط أخلاقي لا يؤهل لمطلق قفزة تطور يظل بعيد المنال.

السابق
الطقس غدا غائم جزئيا دون تعديل يذكر بدرجات الحرارة
التالي
إسرائيل تستدرك الغضب الأميركي