قرار إقليمي سيشهد اللبنانيون نتائجه قريباً

لدى وصوله الى بيروت حرص ظريف، في خضمّ التفاوض الجاري حول الحكومة العتيدة، على تكرار التأكيد “اننا في الجمهورية الإسلامية الايرانية نسعى إلى إقامة أفضل العلاقات الاخوية مع المملكة، أولاً على صعيد العلاقات الثنائية، وثانياً لأننا نعتقد جدياً انّ مثل هذه العلاقات، إذا تعزّزت، فإنها ستؤثر ايجاباً في إرساء السلام والاستقرار والأمن في ربوع المنطقة. من هنا نحن نرحّب بأيّ لقاء رسمي بين البلدين على أيّ مستوى من المستويات”.

زيارة ظريف اللبنانية التي استتبعها بجولة شملت العراق وسوريا والأردن، على ان تنتهي في موسكو لاحقاً، لا يمكن فصلها عن جولته الخليجية الاخيرة التي شملت الكويت وقطر وسلطنة عمان، وما أطلقه خلالها من رغبة في زيارة الرياض، مشدداً على رغبة بلاده بإقامة افضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، علماً انه كان استبق هذه الجولة الخليجية بمقاله الشهير الذي نشرته جريدة “الشرق الاوسط” السعودية تحت عنوان “جيراننا أولويّتنا”، وضَمّنه ما يشبه برنامج عمل لحوار بين ايران ودول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية.

ما يشير الى انّ لدى القيادة الايرانية قراراً مركزياً بهذا الحوار توَصّلاً الى علاقات متينة وثابتة ومستقرة بين الجانبين تُنهي عقوداً من التباعد والخلاف والمخاوف المتبادلة وما رافقها من حروب خليجية أولى وثانية وثالثة، وما بينها من “حروب باردة” بين الجانبين، اذا جاز التعبير.

ويرى مراقبون انّ مواقف ظريف في بيروت، سواء لجهة تكراره الرغبة في إقامة افضل العلاقات بين السعودية وايران، او لجهة تشجيع الافرقاء اللبنانيين على تأليف حكومة وفاقية، انما تنطوي على خلفيات ومعطيات تشير الى اقتراب لحظة التلاقي السعودي ـ الايراني، وانّ أبرز مؤشراته تكمن في التشاور والتفاوض الجاري بين فريقي 8 و14 آذار على تأليف الحكومة بعد سقوط “الفيتوات” المتبادلة وقبول هذا الفريق او ذاك بما كان يرفضه سابقاً، او يعتبره “من المحرّمات” في إطار ملف التأليف الحكومي.

وكان ظريف يرغب بشدة في لقاء مع فريق 14 آذار، واتخذ الترتيبات اللازمة لذلك في الوقت الذي استعدّ هذا الفريق للقاء، بحيث يسلّم خلاله الى رئيس الديبلوماسية الايرانية الرسالة التي كان الوزير السابق الراحل محمد شطح قد وجّهها الى الرئيس الايراني حسن روحاني، ولكن الرأي غير المؤيّد لهذا اللقاء داخل 14 آذار غَلبَ على الرأي المؤيّد، وكان أن شارك حزب الكتائب ممثلاً بنائب رئيسه سجعان قزي في اللقاءـ العشاء الذي أقامه ظريف في فندق فينسيا، وكان يرغب بشدة ان يجمع فيه الفريقين الآذاريين. وقد علّق البعض على الغياب الـ 14 آذاري بالقول إنّ الذين لم يحضروا “لا يثقون بأنفسهم”، وانه “كان عليهم الحضور والإبلاغ الى الرجل موقفهم بكلّ صراحة”…

على أنّ لقاء ظريف مع رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط، اكتسب أهمية، إذ تمّ تنسيقه مسبقاً، ولكن الأهمّ ما لمّح اليه ظريف أمام الذين التقوه من وجود قرار إقليمي بدعم الاستقرار في لبنان وتعزيزه، وانّ القوى السياسية اللبنانية ستشهد قريباً مفاعيل هذا القرار من خلال التوافق على حكومة وفاقية، ومن هنا كان الموقف الذي أعلنه من انّ بلاده تدعم الجهود التي تُبذل داخلياً للتوصّل الى هذه الحكومة.

ويعتقد هؤلاء المراقبون انّ تلميح ظريف الى “القرار الاقليمي” لا يمكن تفسيره، إلّا أنه نتاج توافق سعودي ـ ايراني يساعد على تأليف حكومة لبنانية بعد نحو عشرة أشهر من تكليف الرئيس تمام سلام، وهو توافق سيفتح الباب أمام توافقات كثيرة بين الجانبين، من شأنها “تأمين الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط”، على حدّ قول ظريف.

ذلك انّ التلاقي الإيراني ـ السعودي من شأنه أن يطفئ نار الفتنة السنية ـ الشيعية في المنطقة، ويؤسس لحلول للأزمات في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن وغيرها من المناطق المتفجرة، أو المتوترة، على مساحة العالم العربي كله، لِما للرياض وطهران من تأثير كبير في كل الاحداث والتطورات الجارية.

على انّ زيارة روحاني لبيروت كانت مفتاحَ جولةٍ له شملت العراق وسوريا والاردن، وستنتهي في موسكو التي ستشهد لقاء بينه وبين نظيريه الروسي سيرغي لافروف والسوري وليد المعلم، يأتي قبل ايام من موعد انعقاد مؤتمر “جنيف ـ 2” في 22 من الجاري، وهو لقاء يكتسب أهمية لأنه ستكون لنتائجه انعكاسات مباشرة على مسار هذا المؤتمر ومصيره، علماً انّ منسوب التوقعات بولادة حكومة لبنانية قبله يزداد ارتفاعاً حتى الآن، في مقابل وجود منسوب من التشاؤم…

السابق
خارجية أميركا: التعاون بين الأسد وحزب الله وإيران يتعارض مع مصالحنا
التالي
هل تنازل حزب الله حكومياً ولماذا؟