التمديد للفراغ في الدولة المشلولة!

دخلت «الدولة» في لبنان مرحلة الشلل المطلق بمؤسسات الحكم فيها جميعاً، وذلك لأسباب عديدة داخلية وخارجية، جميعها من طبيعة متفجرة، ويمكن أن نضيف إليها قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، بكل ما قد تحمله من مخاطر على الكيان جميعاً.
في العادة، وكما تشهد المحطات الرئاسية السابقة، من الطبيعي أن تدخل البلاد حالة من افتقاد الوزن، سياسياً، في المرحلة الفاصلة بين «عهدين» أو «رئيسين»، إلا إذا تحوّل الاستثناء إلى قاعدة فصيّرت مدة الولاية تسع سنوات بدلاً من ست، كما جرى مع الرئيسين السابقين الياس الهراوي وإميل لحود.. وإن كان ثمة من يفكر الآن بولاية جديدة للقائم بالأمر، بذريعة أن إنقاصها يعكس انتقاصاً من استحقاقه وإنجازات عهده الميمون، وربما أضيفت إلى ذلك «كرامة الطائفة» التي يمثلها.
والمعادلة المعتمدة في هذا المجال: صوت واحد «للداخل» وصوتان «للخارج».. الأول للعربي الأقوى والأشد نفوذاً بالاشتراك مع الأغلى، وقد شكّلت سوريا هذا «العربي»، مع استثناء المرحلة الناصرية حيث صارت الكلمة لمصر ومن ضمنها سوريا.. ثم انفردت سوريا بالتمثيل العربي بشراكة محدودة مع السعودية.
أما الصوت الثاني للخارج فقد كان في البدايات، ومع الاستقلال، لفرنسا وإن كانت بريطانيا «الشريك المضارب»، ثم احتكره الأميركي مع نهاية الخمسينيات وحتى اليوم، وإن حاول الإسرائيلي أن يشاركه ذات مرة، في العام 1982، فكانت النتيجة أن راح الرئيس المفروض ضحية هذه الشراكة النافرة والمستفزة شكلاً ومضموناً.
ولعل الرئيس القائم بالأمر الآن يفترض أن حظه في التمديد، بل التجديد، قد تعاظم نتيجة انشغال أحد صاحبي حق الفيتو، سوريا، الغارقة في همومها الدموية الثقيلة.. وهو افتراض قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، إذ قد تلعب سوريا دور المعطّل، باعتبارها تملك حق النقض حتى وهي ضعيفة.
أو لعل الرئيس يفترض أن الحضور المذهّب للسعودية يعوّض غياب «الشريك الفقير» إلا بجيرته التي تنزف دماً ومسلحين وأصوليين متنوعين بعضهم أكثر شراسة من البعض الآخر… كما أن هذا الافتراض تسقطه الجغرافيا السياسية وتحرقه نيران الحرب الأهلية التي يتوسع مداها على مدار الساعة فتلامس العراق، بعد سوريا ومعها، وتنذر بمخاطر فتنة كبرى جديدة بين المسلمين، سنة وشيعة، على امتداد هذه المنطقة الغنية بمواردها الطبيعية كما بترسبات تاريخ الصراع المذهبي فيها.
يضاف إلى ذلك أن انتهاء الولاية يقع بعد ستة أشهر إلا قليلاً، وليس في الأفق ما يبشّر بانتهاء الحرب في سوريا وعليها خلال المدة الفاصلة عن الموعد المفترض لانتخاب رئيس جديد (أو التمديد أو التجديد للقائم بالأمر).
وبغض النظر عن الموقف الأميركي، وهو غير واضح حتى الساعة، فإن التأييد الفرنسي للتمديد غير كاف، هذا على افتراض أنه مؤكد وغير قابل للتبديل.
أما على الصعيد العربي فإن السعودية لا تكفي بديلاً من سوريا ومصر معاً.. فكيف وهي مشتبكة ـ بالمال والرجال والسلاح ـ مع سوريا، أما مصر فمشغولة بأوضاعها الداخلية، وهي قد تكتفي بالنصح واعتماد التوافق منهجاً، حتى لا تحمل ما هو فوق طاقتها في هذه اللحظة.
ثم أن هناك لاعباً جديداً قد دخل المسرح ولم يكن له حضوره الفاعل من قبل هو إيران.. وبالتأكيد فإن الغياب العربي المعزز بالانقسام سيفتح أمامه الأبواب ليحتل موقعه كطرف له تأثيره.
أما سائر وجوه الشلل الذي يضرب «الدولة» في لبنان فتتمثل في ما يأتي:
÷ الحكومة المستقيلة باقية شكلاً وبلا قدرة على القرار دستورياً.. والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة تعجزه الظروف الاستثنائية، وبينها انخراط السعودية في الحرب في سوريا وعليها، عن إنجاز مهمته، وتمنعه كرامته من الانسحاب من الميدان معلناً فشله، مع وعيه بأن هذا الفشل لا يتصل بشخصه بل باللحظة السياسية وطبيعة الصراعات المعقدة من حولنا، وفي سوريا بالذات، والانشطار العربي الذي يلقي بظلاله السوداء على المنطقة جميعاً.
÷ المجلس النيابي مغلق بالانقسام السياسي الحاد الذي يكاد يشطر البلاد جميعاً، نتيجة تعارض المواقف إلى حد القطيعة بين أهل الطبقة السياسية، بكل انعكاساتها السلبية، خصوصاً وأنها سرعان ما تكتسي الصبغة الطائفية، بل المذهبية، مما يلغي «السياسة» ويطلق مناخ الفتنة بلا ضابط.
÷ بديهي، والحال هذه، أن يصيب الشلل الإدارة، وأن تتوقف الحكومة عن إنجاز ما تحتاجه البلاد من أسباب الإنتاج بل وعن حماية القائم منه، كالكهرباء ومياه الشرب، حتى لا نستذكر ما هو أخطر مما يحقق نمواً يستطيع البلد بإمكاناته وطاقات شبابه أن ينجزه، والأهم هو توفير الأمن وحماية الشعب من زحف الخطر الأصولي الذي يهدد باجتياح المنطقة جميعاً، والذي قد يعجل بانفجار الفتنة بأهله.
هل من الضروري أن نشير إلى أن التمديد أو التجديد يتبدى مستحيلاً، في ظل هذه الأحوال المتفجرة، وأن شبح الفراغ في قمة السلطة يتهدد البلاد في سلامة كيانها السياسي وليس في آلية حكمها من ضمن نظامها السياسي الفريد وحسب؟!
إن الفراغ لن يُملأ بولاية جديدة لرئيس لم يستطع أن يشكل مرجعية وطنية شاملة ومؤهلة على جميع المختلفين لإنجاز الحد الأدنى من واجبات أي حكم إزاء بلده.
ثم إن استمراره مرشح لأن يدمر ما تبقى من أسباب الإنتاج، ويرحِّل من تبقى من كفاءات الوطن، أي شبابه الذي لا يجد له دوراً فيه..
وهكذا يمكن أن نصل إلى ساعة الصفر وأوضاع البلاد جميعاً تحت الصفر.
.. ومن أسف فإن كل «المعطيات» الراهنة تشير إلى أننا نتوجه بخطى سريعة نحو هذا المصير.

السابق
هؤلاء أعدائي … الأحباء !
التالي
انتحاريان في صيدا: الإقتصاص من الجيش