المُمانِعون مرتاحون أم المعادون لهم؟

لم تنظر الأوساط السياسية “المُمانِعة” من لبنانية وعربية بارتياح إلى توجه تركيا “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي نحو العالم الإسلامي والعربي، خصوصاً بعد يأسه من قبول أوروبا دولته عضواً في اتحاد دولها، وبعد “التذبذب” الذي طبع علاقتها بأميركا. وكان السبب الأبرز للشعور المذكور إطّلاعها على الاحتقان السنّي الذي كان يتكوّن عند السنّة العرب جراء ما اعتبروه محاولة إيرانية – سورية أسدية للهيمنة على العالم العربي. كما لم تنظر بارتياح إلى اعتبار تركيا المذكورة “الربيع العربي” ولا سيما في سوريا فرصة مهمة جداً لا بد من اقتناصها لإقامة حكم موال لها في هذه الدولة أو على الأقل لإخراجها من الفلك الإيراني، ولتوظيف ذلك في “الدخول” إلى دول عربية أخرى. لكن الأوساط نفسها بدأت تشعر ومنذ أكثر من سنة بالارتياح حيال تورُّط تركيا في المنطقة إنطلاقاً من سوريا. والسبب إخفاقها في الوفاء بالوعود التي قطعتها للثائرين على نظام الرئيس بشار الأسد وامتناعها عن نجدتهم في ظروفهم الصعبة، أو على الأقل عن تنظيمهم وتقديم المساعدات المتنوعة إليهم بالتعاون مع الدول العربية المؤيدة لهم. وقد تسبب هذا الإخفاق بخيبة عربية – إسلامية – سنّية شبه شاملة من تركيا. وزاد في الخيبة تمسك تركيا الإسلامية بـ”جماعة الإخوان المسلمين” في مصر رغم الثورة الشعبية أو الإنقلاب العسكري عليها في 30 يونيو الماضي. وانطلاقاً من ذلك بدأت الأوساط إياها تعتقد أن المحور الاقليمي الذي تؤيده والذي تتزعمه إيران صار قريباً من الانتصار في سوريا أولاً وعلى الساحة الدولية ثانياً، وخصوصاً بعد توصلها والمجموعة الدولية 5+1 إلى إتفاق مبدئي – تفصيلي على الموضوع النووي.
هل ارتياح الأوساط “المُمانِعة” المفصّل أعلاه في محله؟
الأوساط السياسية اللبنانية والعربية “المُعادية” لمحور “الممانعة” تعتقد أن الارتياح المذكور في غير محله على الإطلاق لأسباب كثيرة. أولها ان “الاتفاق النووي” إذا جازت تسميته كذلك، وعلى أهميته الفائقة للأطراف الموقعين عليه وللمنطقة، لا يمكن اعتباره انتصاراً لإيران فتح أمامها طريق استكمال تنفيذ مشروعها الأقليمي المعروف رغم رفض غالبية العالم العربي والإسلامي له، ولا انكساراً لأميركا. فرئيس الأخيرة لم يتراجع عن مدِّ يده للنظام الإسلامي الإيراني منذ انتخابه رئيساً أول مرة. هذا النظام تراجع وقَبِل الحوار بعدما أثّرت العقوبات سلباً عليه وخلقت تذمراً شعبياً. وثانيها، أن إيران الإسلامية، وكانت في موقع الهجوم في المنطقة والعالم على مدى سنوات، قد صارت الآن في موقع الدفاع. فعلى الصعيد النووي حصلت على اعتراف العالم بها دولة نووية. لكن نوويتها ستبقى محددة بقيود أبرزها الابتعاد عن تخصيب يؤدي إلى تصنيع سلاح ذري. وعلى صعيد مشروعها الاقليمي يبدو واضحاً لكل ذي بصيرة أن إيران خسرت الضلع الفلسطيني (“حماس”) بعد امتناعها عن مساندة النظام السوري ضد الثائرين عليه. ويبدو واضحاً أيضاً ان الورقة السورية تتمزق بين يديها رغم استمرارها في التمسك بالأسد. وذلك يعني أن ورقة الأسد وما يمثل ستبقى معها وليس ورقة سوريا كلها. ويبدو واضحاً أيضاً ان ذلك سينعكس على لبنان، إذ سيضع “حزب الله” حليفها الأبرز في موقع الدفاع. ولا يعني ذلك كله أن إيران ستُهزَم، بل انها ستضطر إلى مراجعة أولوياتها وتعديل مشروعها الاقليمي وتوجيهه إنما نحو مناطق اخرى مع احتفاظها بالنفوذ في العراق. ولا يعني أن “الحزب” سينهزم لأنه وبقوته، وبما يتبقى من سوريا الأسد، سيبقى قادراً على الإمساك بمعظم الورقة اللبنانية. لكن السؤال الى متى؟
أي من الارتياحيْن المتناقضَي الأسباب أقرب إلى الحقيقة والواقع؟
الأوساط اللبنانية والعربية المحايدة تعتبر إرتياح “المعادين” لمحور “المُمانعة” أكثر منطقية ومعقولية من الآخر. وتبرِّر ذلك بأسباب كثيرة أبرزها واحد هو الآتي: محاربة الإرهاب التي تشكّل إحدى أولويات أميركا ستدفع الأخيرة إلى التعاون مع إيران المُهدَّدة به. لكنها غير مستعدة ان تدفع العالم السنّي كله إلى الوقوف ضدهما لأن ذلك سيسهِّل تثوير أبنائه ضد أميركا وإيران الفارسية – الشيعية. وما قد تفعله سيكون إقامة صيغة تفاهم بين القوة الشيعية الأكبر (إيران) والقوى السنّية الاكبر (مصر والسعودية وتركيا وحتى الدول السنّية غير العربية) من أجل مواجهة الإرهاب.
تنظيرُ ذلك؟ ربما. أوهام؟ ربما. لكنها أقرب إلى الواقع من أمور أخرى. علماً ان تطورات المستقبل، على عنفها الذي قد يتزايد، هي التي ستفصل في ذلك كله.

السابق
ميقاتي غادر إلى قطر
التالي
طهران – الرياض: حتميّة التفاهم وثمن الصدام