بعد الاتفاق ايران مشاكسة أم مندمجة؟

كانت ايران في حاجة ملحّة الى الاتفاق مع الدول الغربية، بعدما وصلت ازمتها الاقتصادية الى مرحلة حرجة جداً، وآخرها افلاس شركة الغاز الايرانية وقيام سلسلة من التظاهرات في اصفهان، وكانت الادارة الاميركية في حاجة الى الاتفاق الذي تسوقه على انه انتصار لديبلوماسية باراك اوباما ابعدت شبح الحرب وستمهّد لترتيب الاوضاع في “الشرق الاوسط الكبير”، اما “الشريك الروسي” فهو رابح في ايران التي ساعدها في بناء نووياتها ورابح أيضا في تراجع اميركا في المنطقة كلها، ولا يمكن تجاهل الربح الاسرائيلي من الاتفاق رغم صراخ الاعتراض الكاذب من بنيامين نتنياهو الذي ربح الكيميائي السوري والنووي الايراني!

عملياً نحن امام اتفاق يمثّل “بداية طريق” صعبة ومعقدة مدتها الزمنية لن تتجاوز الاشهر الستة، والدليل على ذلك التناقض الفوري في التصريحات الاميركية والايرانية حول التخصيب. ففي حين يقول الايرانيون ان الاتفاق يسمح لهم بالتخصيب، بنسبة ٥٪ يقول جون كيري ان هذه النسبة ستكون صفراً بعد ستة اشهر. ومن الواضح هنا ان كيري يتلاعب بالكلمات، فالصفر لا تعني صفراً في الواقع بل تعني عودة الى القبول الدولي السابق المعروض على ايران بأن تبقي النسبة تحت ٥٪ والذي طالما رفضته، وفي النتيجة واضح ان ايران انتزعت الاعتراف بحق التخصيب في هذه الحدود!
ومن الضروري طرح السؤال: لماذا رفضت ايران قبل خمسة اعوام ما وافقت عليه الآن، ولماذا تكبدت كل هذه الاضرار والخسائر نتيجة العقوبات التي فرضت عليها؟ ثم ان السؤال الأهم هو: هل ستلتزم ايران البقاء في حدود الـ٥٪، وهل ستنفذ الشروط العشرة الصعبة المطلوبة منها في المرحلة الانتقالية ومنها وقف العمل في منشأتي “اراك” و”ناتانز” واخضاعهما للتفتيش، وهل ستعمد الى ابطاء العمل في منشأة “فردو” وهل ستبدأ خفض الاورانيوم المخصب بنسبة ٢٠٪ الى نسبة ٣.٥٪ المتفق عليها وكل ذلك في مقابل سبعة مليارات دولار؟
كان من اللافت استعجال البيت الابيض الايعاز بعد اقل من خمس ساعات على الاتفاق للافراج عن اربعة مليارات من الودائع الايرانية الموقوفة، وفي حين جاء تصريح محمد جواد ظريف دليلاً على الاستمهال، عندما قال امس ان تطبيق الاتفاق سيبدأ “في غضون اسابيع” والاشهر الستة هي اسابيع عملياً، اعلن علي اكبر صالحي “ان التخصيب حق لايران سواء بنسبة ٥ او ١٠٠٪”!
على الصعيد الاقليمي تزداد المرارة عند حلفاء اميركا عندما يتبين ان الاتصالات بين واشنطن وطهران بدأت سراً منذ آذار الماضي، واذا صح خبر” وورلد تريبيون” عن تبادل رسائل بين اميركا و”حزب الله”، فهذا يعني اننا نتجه فعلاً الى خريطة سياسية جديدة للاقليم، لا تجعل منه بالضرورة مشاعاً لايران بل قد تجعل ايران اكثر اندماجاً فيه!

السابق
اعتصام امام مقر الضمان في طرابلس
التالي
قوى أمنية «صديقة» للنساء المعنّفات