الخطوات السعودية محسوبة

وصلت الرسالة السعودية. إذا اختارت الولايات المتحدة أن تنكفئ قبل الأوان من الشرق الأوسط، لا يمكنها أن توزع “تركة” النفوذ الأميركي على من ترغب في المنطقة. لا تقتضي الحكمة أن تهمل واشنطن – ولو تكتيكياً – مصالح أصدقائها في أي نظام دولي – اقليمي جديد.

لا شك في أن المسؤولين السعوديين يدركون أن عاملين رئيسيين تحكما بالإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط: عدم تعريض اسرائيل لخطر وجودي وعدم المس بتدفق امدادات النفط من الخليج العربي. لا تزال اسرائيل الحليف الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة، وصارت مصادر الطاقة أكثر وفرة ونوعاً وتنوعاً للإقتصاد الأميركي، وهو الأكبر عالمياً. غير أن الحاجة السعودية الى التكنولوجيا الأميركية في مجالات الصناعة النفطية وسواها لا تخفي حاجة واشنطن الى الرياض في القضايا المختلفة على الساحة الدولية. العلاقة الإستراتيجية بين البلدين ليست مهددة. لكن اهتزاز الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها – وهو شمل أخيراً دولاً مثل ألمانيا وفرنسا والمكسيك – يجب أن يعالج.
كان من علامات اهتزاز الثقة خطاب الرئيس باراك أوباما أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الشهر الماضي في نيويورك. حدد خلاله أولويات إدارته في الشرق الأوسط بناء على مراجعة أعدها له فريقه للأمن القومي في البيت الأبيض برئاسة سوزان رايس. أولاً، قال إن “الطريق الديبلوماسي يجب أن يختبر” مع ايران لتسوية الخلاف على برنامجها النووي على أساس “المصالح المشتركة والإحترام المتبادل” بين البلدين. ثانياً، اعتبر أن تهديده باستخدام القوة العسكرية ضد النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيميائية فتح الباب أمام الإتفاق مع روسيا لاختصار الأزمة السورية بتخليص دمشق من ترسانتها الكيميائية. ثالثاً، أولى أهمية إضافية لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعدما عجز عن ليّ ذراع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفي ظل ضغوط متواصلة على الرئيس محمود عباس لإبداء ليونة في المفاوضات. تدل هذه الأولويات على أن كل ما عداها سيتراجع الى الصف الخلفي أو أنه سيوضع “على الرف”. ليس في مقدم اهتماماته: الأزمة المستمرة في مصر. الوضع القلق في البحرين. الفوضى المتمادية في ليبيا. الحوار في تونس، حيث باكورة “الربيع العربي”. اليمن ومعركته ضد الإرهاب والتمرد. لبنان الذي تتضاءل مناعته من العدوى السورية.
لم يكن الغاء كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في الأمم المتحدة إلا إشارة أولى الى خطوات ستتخذها المملكة للتعامل مع التحولات التي يشهدها العالم. أدى غرضه إعلان السعودية اعتذارها عن احتلال مقعد مجلس الأمن. إذ أوضحت الولايات المتحدة – عبر موفدين ورسائل من واشنطن الى الرياض وجدة – أن استراتيجيتها في الشرق الأوسط لم تتغير. للسعودية دور الآن لا غنى عنه ولا يمكن أن تعوضه أي دولة عربية أخرى في مجلس الأمن.

السابق
الاب بولس: لا يوجد معلومات واضحة عن المطرانين
التالي
فتفت: لن نقبل أن يمتد الفراغ إلى موقع الرئاسة