هدية الأسد… حنينه!

يتخذ الكلام عن النأي بالنفس مذاقا مختلفا حين يأتي على لسان الرئيس بشار الاسد. فهو يتهم لبنان بانه لم يلتزم هذه السياسة وساهم في اشعال النار في سوريا وطبعا يتهم خصومه ويتجاهل التورط الانقاذي لـ”حزب الله” الذي مكنه من الصمود حتى الان. المسألة ليست هنا حصرا بل في كون رأس النظام الذي حكم لبنان عقودا تناهز الثلاثة بوصاية قلما شهد العالم مثيلا لها يتهم البلد الذي استباحه بالتورط في حربه على شعبه مما يشكل علامة دامغة على مضيه في سياسات ثأرية متمادية ضد لبنان بشتى الوسائل المتبقية له.
النقطة الثانية التي تستدعي التمعن هي ان الاسد يستعيد سليقة التورط والتدخل في دقائق التفاصيل اللبنانية التي غالبا ما كانت الاشد نفورا في وسائل الوصاية المباشرة على لبنان. يخال المتابع لموقف الاسد وقابليته “الصادقة” للترشح مرة جديدة للرئاسة على ركام سوريا انه يهوى العودة الى اللعبة الاكثر استطابة لدى النظام منذ عصر والده وهي التدخل المباشر لـ”تعيين” الرئيس اللبناني. طوي ذلك العصر ولا يزال الحنين اليه يشد الاسد بدليل انه لم يتمالك نفسه عن اقران اعلان نيته في الترشح بالالتفات الى الاستحقاق الرئاسي اللبناني ولو مداورة. يصادف ان تلازما زمنيا سيحل بين الاستحقاقين في السنة المقبلة. و”يصادف” ان الاسد لم يتمالك نفسه عن امتداح العماد ميشال عون في معرض تخصيصه بهدية لا ندري كم سيجدها الجنرال مفيدة وحميدة وهو في عز فتحه ابواب الانفتاح على الجميع عند مشارف الاستحقاق الذي تقترب اختباراته في الداخل والخارج. ولا ندري كم كانت اللفتة عفوية واي صدى ستتركه سواء لدى متلقي الهدية او لدى الاخرين من مزاحمي الجنرال ومنافسيه خصوما كانوا ام حلفاء.
ما يبرز بوضوح من اطلالات الاسد لا يحتاج الى كثير من التفسير والاجتهاد. لبنان جزء اساسي من حروبه العسكرية والامنية والسياسية الماضية الى غير افق. وليس مجديا اي مسعى لتحييد لبنان من خلال ” اعلان بعبدا ” ما دامت الازدواجية التاريخية التي تطبع تعامل النظام السوري مع لبنان قادرة حتى الساعة على ايجاد مرتكزات لبنانية داخلية تشكل لها الغطاء المطلوب ناهيك بالوسائل الامنية “النظيفة” الاخرى التي تسلط الاستباحة الامنية سيفا مصلتا على لبنان في كل لحظة.
اما الطرافة الكبرى في هذا المنقلب فتبرز في مفارقة قد تكون فعلا ذروة المفارقات. فلنتخيل الاسد يخوض غمار الاستحقاق الرئاسي المزدوج عنه وعن لبنان سواء بسواء. معنى ذلك بلا اي جدل ان الفراغ الرئاسي اللبناني هي الهدية الحقيقية التي اراد الاسد تمرير رسالتها المبكرة…. عسى ان تكون الرسالة قرئت صح.

السابق
الأرملة البيضاء وقصيدة حب لبن لادن
التالي
المر: عزّ «الإنتربول» بعد «فاقة» التهميش!