ماذا وراء رفض السعودية عضويّة مجلس الأمن؟

لا بدّ لأيّ متابع من أن يشاهد تغييراً في الأداء السعودي منذ اندلاع الثورة السورية، وهذا التغيير مردّه الى مصيرية هذه المعركة التي يتوقف عليها وقف المدّ الايراني والحدّ منه عند البوابة السورية بعد سقوط صدام حسين والبوابة العراقية.
ولم يختلف هذا الأداء أيضاً في مصر والبحرين وغيرهما من منطلق أنّ سقوط الدول العربية الواحدة تلوَ الأخرى يؤدّي إلى تطويق السعودية وعزلها، ما جعلها مضطرة الى أخذ المبادرة لقيادة العالم العربي والدفاع عن مصالحه.

وفي هذا الإطار بالذات أتى رفض الرياض عضوية مجلس الأمن، في رسالة موجّهة الى ثلاثة أطراف أساسية:

أولاً، روسيا من زاوية أنّ استخدامها المتواصل للفيتو عطل مجلس الأمن وحوّله الى هيئة استشارية لا تقريرية.

ثانياً، الدول الأعضاء في محاولة لحثهم على رفض هذا الواقع والشروع في ورشة إصلاحات جدية تعيد الاعتبار لهيئة الامم.

ثالثاً، الولايات المتحدة من منطلق انّ التحالف معها لا يعني تغطية كلّ سياساتها وغضّ النظر المتواصل عن تقصيرها في مقاربة القضايا والهموم العربية.

هذا في شكل الرسالة، وأما في مضمونها فتعني الآتي:

1 – التعاون الذي تبديه السعودية وصولاً الى منطقة آمنة وسالمة لا يعني القفز فوقها وتجاوزها والتعامل معها على قاعدة أنها في “الجيبة” وتحصيل حاصل.

2 – اذا كانت كلّ السياسة الإيرانية قائمة على مبدأ التعطيل وصولاً الى تحقيق أهدافها، فبإمكان المملكة اعتماد السياسة نفسها في حال كانت مؤدّيات السياسة الدولية على حساب المنطقة العربية.

3 – يخطئ مَن يعتقد انّ بإمكانه تحقيق تسوية في الملفين السوري والنووي من دون الوقوف على رأي السعودية أو الأخذ في الاعتبار المصالح العربية.

4 – على واشنطن أن تفكر ملياً بمشهد الربيع العربي الذي لم يُحرق فيه أيّ علم أميركي على رغم الخيبة العربية من السياسة الأميركية حيال القضية الفلسطينية، هذه الخيبة التي تضاعفت مع الازمة السورية والانفتاح المستجد على إيران والمخاوف من صفقة في الملف النووي.

5 – الرياض ليست بوارد تخيير الولايات المتحدة بين التحالف مع مليار سنّي او ثلاثة مليون شيعي، لأنّ هدفها هو إرساء السلام في المنطقة، إنما لن تتهاون مع أيّ تسوية على حساب المليار سنّي.

6 – مصالحة الولايات المتحدة مع شعوب المنطقة شرطها إيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية والأزمة السورية والنووي الايراني، فيما استمرار الإهمال يعني تشجيع التطرف، وهذا التطرف لا يمكن حصره في بلد كونه عابراً للحدود.

7 – على ايران أن تدرك انّ المنطقة ليست لقمة سائغة، وانه يجب عليها أن تقلع عن سياسات النفوذ والهيمنة نحو إرساء علاقات شراكة وتعاون.
وعليه لا يمكن توصيف خروج السعودية من مجلس الأمن كخروج الكتائب من أمانة 14 اذار، وتأثيرها يتعدى المساحة الإعلامية الواسعة التي احتلتها تغطية وتحليلاً وتمحيصاً الى قراءة خلفياتها وأبعادها، والأكيد هو أنّ ما قبلها غير ما بعدها، لأنّ مواصلة الغرب النهج ذاته يعني الذهاب نحو مواجهة جديدة مع بيئة مسالمة ولكن لا تقبل تمرير الصفقات من تحت قدميها، فيما تغيير هذا النهج يعني التسريع في حلّ القضايا المزمنة والمصيرية.

والاعتذار عن عضوية مجلس الأمن لا يعني التشكيك بشرعية هذه المنظمة ودورها، والدليل تقديمها قريباً مشروع قرار يدين تدخل “حزب الله” في سوريا، إنما خلق نقزة ورفض لعب دور شاهد الزور، فضلاً عن انّ موقفها يساهم بتعزيز رصيدها العربي والإسلامي، ويمحضها زعامة هذين الشارعين دون منازع.

السابق
قائم مقام الدولة!
التالي
حملة صحية للنازحين السوريين في الدوير