السفير: سليمان: دعوْنا إلى التحييد لا الحياد

ليس خافياً أن أهل السياسة في لبنان كانوا يعوّلون على زيارة الحج للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني للسعودية للبناء على “بركاتها السياسية” لبنانياً.

هؤلاء الساسة كانوا يفترضون أن لقاء الرئيس روحاني ـ الملك عبدالله بن عبد العزيز يشكل مفتاح الانفراج في أكثر من ساحة إقليمية. أكثر من ذلك، هناك من يرى ان التفاهم بين الرياض وطهران هو المدخل إلى تأليف الحكومة الجديدة وفتح مجلس النواب وتبريد الاحتقان المذهبي وضبط الوضع الأمني.. وإقرار سلسلة الرتب والرواتب والتنقيب عن الغاز في العمق البحري اللبناني!

ولأن الشرايين اللبنانية متصلة بالشرايين الكبرى في المنطقة، فإن الإعلان الإيراني عن عدم وجود برنامج لدى روحاني لزيارة الحج “نظراً إلى جدول أعماله المزدحم”، أحدث صدمة لدى من بنوا قصور التوقعات الإيجابية على رمال التلاقي السعودي – الإيراني.

في كل الأحوال، وطالما أن اللبنانيين علقوا كثيراً من الآمال على مشروع الحوار السعودي ـ الايراني، يمكن رصد الارتدادات اللبنانية المحتملة لإلغاء زيارة روحاني على الشكل الآتي:
+ صعوبة تشكيل حكومة جديدة في المدى القريب، إلا إذا قرر رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام خوض “مغامرة” حكومة الأمر الواقع على قاعدة 8 ـــ 8 ـــ 8، وهذا أمر صار مستبعداً، خاصة بعد موقف النائب وليد جنبلاط وإرجاء الزيارة الرئاسية إلى السعودية والإمارات.

+ مواصلة لعبة حافة الهاوية أمنياً، عبر استمرار الأحداث والقلاقل الأمنية المتنقلة والاحتقان المذهبي، في إطار تبادل الرسائل المحلية والإقليمية، إنما من دون أن تتحول عملية عضّ الأصابع هذه إلى مواجهة كبرى لا يريدها أحد لا في الداخل ولا في الخارج.

+ المزيد من الاستنزاف الاقتصادي والمالي، في ظل استمرار المراوحة في الأزمة السياسية والحصار الخليجي الذي يتخذ أشكالاً مختلفة.

قد يكون خيار إحياء طاولة الحوار هو “البديل المتاح” في هذه اللحظة الإقليمية والدولية المفصلية، حتى لو كانت وظيفته الضمنية تقطيع الوقت فقط، في انتظار انقشاع الرؤية في المنطقة، ذلك أن النجاح في تمرير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة هو بحد ذاته إنجاز كبير. في هذا السياق، يعوّل الرئيس سليمان على الحوار ويقول لـ”السفير” إن “الاستقرار اللبناني ما يزال ضرورة دولية، ولكن كل ما نحققه وننجزه يصبح بلا فائدة إذا لم نحسن استثماره على المستوى الداخلي”.

الاستثمار يكون بالحوار، ومنطلق الحوار هو “إعلان بعبدا الذي ينص على تحييد لبنان عن الصراعات، ولم يتحدث عن حياد لبنان، وهذا أمر آخر. لذلك من الخطأ قول البعض اننا لا نجلس مع حزب الله الا بعد عودته من سوريا، لأن حزب الله مكوّن أساسي وجزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني، صحيح نحن ضد انخراطه في سوريا، ولكن نجلس معه ونقول له بأنه يجب ان يعود من سوريا”، على حد تعبير رئيس الجمهورية .

يمكن القول أيضاً انه لو لم تكن طاولة الحوار موجودة أصلاً لوجب اختراعها في هذا الزمن الانتقالي الصعب. صحيح انه ليس منتظرا منها التوصل الى نتائج حاسمة في شأن الملفات الخلافية الجوهرية، لكن الصحيح أيضا ان الحوار يصبح في ظل هذه الظروف المفصلية، مطلوباً لذاته وبمعزل عن حصيلته، لانه يغدو في مثل هذه الحال قناة التصريف الآمنة والوحيدة لكل أنواع الاحتقان السياسي والمذهبي.

وعليه، فإن سليمان مُطالب بان يتخذ قرارا سريعا بالدعوة الى استئناف الحوار الذي يستطيع وحده الآن ان يملأ جانباً من “الفراغ المفخخ”، ويعوض بعض الشيء غياب المؤسسات الدستورية المعطلة، بل ربما يساهم في إعادة إحيائها، إذا أحسن المشاركون فيه الاستفادة من فرصته.

ثمة رهان أنه بإمكان الرئيس سليمان التأسيس على النتائج التي توصل إليها مسعى بري الذي كان قد انتدب لجنة نيابية لزيارة القوى الأساسية و”جس نبضها” حيال فكرة معاودة الحوار استناداً إلى مبادرته، ذلك أن الحصيلة التي انتهت إليها اللجنة “تشكل رصيداً كافياً لرئيس الجمهورية كي ينطلق منه في الدفع نحو معاودة الحوار”، على حد تعبير بري.

السابق
النهار: الأزمة إلى الشهر السابع بعد أيلول أسود اقتصادي
التالي
الديار: شربل: نعمل لخطة أمنية في طرابلس لكنها معقدة