لا رؤية للاستقرار ما عدا استثمار «صنــدوق النازحين»

رغم الاهمية التي اعطاها اجتماع «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان»، في توفير غطاء دولي لمساعدة لبنان على مواجهة معضلة النازحين السوريين، الا ان مشكلة لبنان لا تبدو في حصوله على دعم الدول الكبرى ولا الامم المتحدة، بل المشكلة تكمن في ما يريده لبنان فعلا من هذه الدول، بما يتعدى تحويل هذه القضية صندوقا ماليا، يعرف المجتمع الدولي تماما تجربة لبنان مع مثل هذه الصناديق المالية.

ان اسوأ ما يخلص اليه زوار غربيون بعد زيارتهم لبنان، او من خلال الاتصالات المستمرة مع المسؤولين فيه، ان هؤلاء لا يملكون تصورا واقعيا او رؤية حقيقية لما يريدونه. وفي الاشهر الفائتة، التي تعددت فيها زيارات مسؤولين اوروبيين واميركيين ودوليين الى بيروت، وكذلك زيارات لبنانيين الى عواصم القرار، خلص بعض المكلفين متابعة ملف لبنان، إلى انهم لم يسمعوا مطالب محددة او فكرة واضحة عن كيفية انقاذ لبنان، ولا حتى مقاربة عميقة لما يجري في المنطقة وارتدادته على الوضع اللبناني الداخلي.
ثمة معضلة ليست بسيطة، وهي ان الغرق في التفاصيل الداخلية، والمناوشات المحلية، يأخذ مساحة اكبر مما يجب في لقاءات اللبنانيين بضيوفهم الغربيين مهما ارتفعت رتبتهم. وهناك معضلة اكثر اهمية، وهي ان اللبنانيين لا يقدمون اي فكرة حل لخروج لبنان من المأزق الراهن في وقوعه بين فكي كماشة الصراع المذهبي الاقليمي، ولا في كيفية تحييده عن الحرب في سوريا.
وبحسب احد الذين تواصلوا اخيرا مع مسوؤل اميركي رفيع المستوى، فان المسؤولين اللبنانيين لم يطرحوا في الاونة الاخيرة اي مشروع جدي، يترجم رغبة اللبنانيين في الاستقرار، الذي يحرص عليه المجتمع الدولي. ويشير الى ان المسؤولين اللبنانيين انما يضعون تصوراتهم الخاصة من اجل تعزيز فوز فريقهم السياسي على الفريق الاخر، لا اكثر ولا اقل، فضلاً عن انهم يستثمرون هذه اللقاءات في تمتين وضعهم الداخلي، سواء في طائفتهم او في تيارهم السياسي او موقعهم الرسمي، وهو امر يتكرر في اللقاءات الديبلوماسية. ففي الوقت الذي كان فيه العالم مشغولا باحتمالات الضربة الاميركية لسوريا، ومن بعدها فتح ملف المفاوضات الاميركية الروسية، ومن ثم الاشارات الاميركية الايرانية، كان مسؤولون في لبنان يتناقشون في كيفية تحويل مترتبات الموقف الاميركي لمصلحة الحصص داخل الحكومة المفترضة.
في المقابل، لم يسمع مثلا اي زائر او مضيف تصورا مدروسا لمشكلة سلاح حزب الله، ما عدا لازمة اعلان بعبدا، التي تكررت في نيويورك اخيرا. ولم يتلق اي من هؤلاء، مطلبا حقيقيا بكيفية ابعاد الصراعات المذهبية وتدخل المحاور العربية على خط التنظيمات الاصولية في لبنان، ودعمها لمصلحة فريق ضد آخر، رغم ان ممثلي هذه الدول يكررون امام مستقبليهم ضرورة حفظ استقرار لبنان، ومنع امتداد التيارات الاصولية اليه. والاستقرار يعني اولا وآخيرا إبعاد شبح التقاتل بين السنة والشيعة، وسحب آليات الدعم الاقليمية لهذا الطرف او ذاك. حتى المحكمة الدولية التي شغلت لبنان على مدى اعوام، لم تعد تدخل ضمن ادبيات المسؤولين اللبنانيين، الا في العناوين الرسمية التي تفرضها الهيئات الدولية كالتمويل.
والاهم ان المجتمع الدولي لم يسمع ما يريده لبنان حقيقة في ملف النازحين السوريين، الا بعدما تحول هذا الملف إلى عنصر جذب دولي واستثمار سياسي ومالي على اعلى المستويات في لبنان والخارج. فبعد اكثر من عام ونصف عام على بدء تدفق النازحين السوريين الى لبنان، وتجاهل مجلس الوزراء، من ايار عام 2011 الى حزيران عام 2012، مطالبة الجيش اللبناني مرات متكررة بإنشاء خلية ازمة وحصر النازحين في اماكن محدودة ومعروفة، تحول هؤلاء قضية مثمرة لدى بعض اطراف السلطة، وفيما الخطر الامني والاقتصادي والاجتماعي لقضية النازحين يتحول قنبلة موقوتة، يضع لبنان الرسمي ملفهم على طاولة الاستثمار، من دون الالتفات الى الموجبات الامنية والسياسية السورية التي ستمنع هؤلاء من العودة الى بلادهم قبل سنوات طويلة، حتى لو توقف حرب سوريا اليوم قبل الغد، وتحولهم تاليا امرا واقعا على الساحة اللبنانية، بكل ما يمكن ان يمثله ذلك من ثقل مادي ومعنوي.
واذا كان لبنان الرسمي يتعاطى باهتمام مع لقاء الرئيس اللبناني ونظيره الاميركي باراك اوباما، الا ان السؤال يطرح عما طالب لبنان به الرئيس الاميركي، وخصوصا انه سبق لاوباما ان اتصل قبل اشهر قليلة بسليمان، تعبيرا عن دعم الادارة الاميركية للبنان. فكيف تعاطى رئيس الجمهورية مع هذا الاتصال، بما هو ابعد من محاولة تجيير هذا الدعم الذي يفترض بأنه لاستقلال لبنان ووحدته وسيادته، بدلاً من الافادة منه محليا في الصراع الداخلي، وفي ايحاءات بعض فريقه حول مغزى الاتصال واللقاء، اللذين حصل مثلهما مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.
واستطرادا كيف يمكن ان يستفيد لبنان فعليا من اللقاءات الدولية، وكيف يمكن ان يستثمرها لمصلحة انقاذ لبنان من ارتداد الازمة السورية المتفاقمة عليه، بدلاً من ان تتحول اجتماعات نيويورك كأنها الطريق الى حل العقدة الحكومية بين فريقي 8 و14 آذار، او استكشاف الطريق امام الاستحقاقات الدستورية.
حتى الان لا يبدو ان ما بعد نيويورك هو غير ما قبلها. فالصراع على الحكومة انفجر من هناك، ومرجح لان يستمر منفجرا حتى بعد الزيارة الرئاسية المحتملة الى الرياض. وسيبقى النازحون في لبنان، ويزداد التفلت الامني، وترتفع حدة الضغط السياسي الاقليمي ويترجم في لبنان، في انتظار مواعيد جديدة، وحتى يقرر الاميركيون والروس والايرانيون مصير سوريا وملفات المنطقة.
لكن الاختلاف الوحيد انه سيكون عندنا صندوق للنازحين… ولغيرهم.

السابق
ندوة فكرية حول القوى والحركات الإسلامية
التالي
يعالون: على الاسد الرحيل ديبلوماسياً او بطرق اخرى