الكيميائي من روسيا وإلى روسيا يعود؟

تتزايد الاحتمالات التي تدفعني الى القول: “أذكر ايها الكيميائي انك من روسيا والى روسيا تعود”، ذلك ان اتصالات حثيثة تجري بين الاميركيين والروس هدفها اقناع موسكو بنقل الترسانة السورية الى “مقبرة بشوشوشاين” التي تقع على بعد الف كيلومتر من موسكو والتي عملت منذ عام 2009 على تدمير مخزون روسيا من هذه الاسلحة.

بشار الاسد المستعد لتسليم ترسانته “لأي بلد مستعد للمخاطرة” يعرف ان ليس هناك من يرغب بهذه المخاطرة حتى روسيا كما يقول وزير دفاعها. فقد جرت اتصالات مع الاردن وتركيا لاستضافة الترسانة تمهيداً لحرقها ولكنهما رفضتا، ولهذا كان واضحاً منذ البداية ان نقلها الى طرطوس ثم الى السفن السوفياتية هو أسهل الحلول، خصوصاً ان عملية انشاء محطة “بشوشوشاين” كلفت مليار دولار دفعتها روسيا واميركا وايطاليا والنروج وسويسرا وبريطانيا وتشيكيا، ثم ان الفنيين الذين اشرفوا على تدمير المخزون الروسي باتوا يملكون خبرة تساعدهم على تدمير الترسانة السورية خلال ستة اشهر على ما تقول مجلة “فورين بوليسي” الرصينة!
طبعاً لن يعجب بوتين ولافروف القول “من روسيا والى روسيا تعود ايها الكيميائي” فحتى هذه اللحظة تشتبك موسكو مع الامم المتحدة منطلقة من موقفها المنحاز، الذي حاول منذ البداية اتهام المعارضة باستعمال الكيميائي في مذبحة الغوطتين، على رغم ان الرفيق لافروف كان صاحب المبادرة بدعوة الاسد الى تسليم مخزونه الكيميائي، فانه لم يطلب من المعارضة تسليم ما تملك من هذا السلاح لو كان يصدق فعلاً انها تملكه!
إنها المزايدات “الموسكوبية” وقد وصلت الآن الى حد الإسفاف ليس لأن سيرغي ريابكوف يتهم فريق المفتشين الدوليين بالانحياز و”بتقديم خلاصات مسيّسة ومنحازة وآحادية وانهم وضعوا تقريرهم بطريقة انتقائية وتجاهلوا أدلة قاطعة”، بل لأن سيرغي ايفانوف مدير الديوان الرئاسي سارع من الكرملين الى محاولة طمس الدليل القاطع، الذي يؤكد ان صواريخ روسية مجهزة بغاز السارين هي التي ضربت الغوطتين، فقد عثر على كتابات باللغة الروسية على قطع منها، وكانت حجته الواهية ان الصواريخ الروسية منتشرة في العالم و”قد تكون وصلت الى النظام السوري او الى المعارضة” وهذه حجة لا تتلاءم مع منطق دولة كبرى تريد ان تلعب دوراً عالمياً استقطابياً!
مارتن نيسيركي رد بغضب على اتهامات موسكو لفريق المفتشين، مؤكداً انهم “حققوا بطريقة بعيدة عن الانحياز ووفقاً للقواعد العلمية الاكثر مهنية ورفعة” وكل هذا لم يمنع لافروف من المضي في اتهام المعارضة متحدثاً عن أدلة وقرائن، وهو ما يدفعني الى الاعتقاد ان موسكو تحاول تشتيت مصدر الصواريخ الجانية، كي لا تطاولها ولو معنوياً تهمة الغوطتين… لكن يبقى أقل الواجب استعادتها الكيميائي الى “مقبرة بشوشوشاين”!

السابق
سياسة العنزة الطائرة
التالي
مبادرة برّي بلا أوهام