كنائس لبنان مسؤولة عن مسيحيّيه!

كان محقاً المطران الماروني سمير مظلوم الاسبوع الماضي عندما اتهم الدول الكبرى، وكان عليه أن يسمي أميركا، “بالكذب على الرأي العام العالمي لتبرَّر حربها ضد العراق”. ذلك ان التطوّرات التي حصلت بعد غزوه وفرط نظامه ودولته، أثبتت ان ذريعة الرئيس جورج بوش الإبن للغزو كانت غير صحيحة. وقد يكون المطران مظلوم محقاً أيضاً في تخوّفه الدائم من أن تكون ذرائع أوباما لضرب نظام سوريا مفبركة. لكن الموقفين المذكورين لا يعكسان موقفه الفعلي ولا موقف الكنيسة المارونية التي قال باسمها انها ضد ضربة عسكرية لسوريا. وأنا هنا لا أحكم على النيّات بل على الأقوال. فهو تعاطى مع الثورة السورية منذ بدايتها بتشكيك برَّره بسيطرة التكفيريين السنّة عليها، وبخطرهم على الوجود المسيحي في سوريا… ولبنان. وقد أكَّد ذلك على شاشة “المنار المقاوِمة” وبعد استدراج من محاوره بقوله أنه يفضّل بقاء الرئيس الأسد ونظامه على فوز الثورة عليهما.
طبعاً، يحق للمسيحيين اللبنانيين، وأنا منهم، الخوف على إخوانهم في الدين في سوريا وعلى وجودهم في لبنان من هؤلاء التكفيريين. لكن كان على الخائفين أن يكونوا منصفين. فيذكرون مثلاً عدد هؤلاء نسبة الى عدد الثوار من سنَّة إسلاميين غير تكفيريين ومن سنّة متديَّنين، ومن منتمين إلى “أقليات” متنوعة مؤمنين بالدولة المدنية الديموقراطية. وهو عدد غير كبير. علماً ان ذلك لا يقلل من “فاعليتهم ولا انسانيتهم”. ويذكرون أيضاً ان خطر هؤلاء على مُخالِفيهم من المسلمين أكبر من خطرهم على المسيحيين. ويذكرون ثالثاً ان انحسار الدور المسيحي في لبنان تسبب به نظام الأسد الذي يدافعون عنه اليوم، وذلك بعدما رفض القادة المسيحيون كلهم في البداية أن يمتلك قرارهم في مقابل إطلاق يدهم داخلياً. ودفعه رفضهم إلى “تشقيفهم”، وإلى الاعتماد على أقلية أخرى أكبر حجماً منهم وأكثر فاعلية وتتمتع بحماية إقليمية.
طبعاً، هذا المنحى الذي يعبّر عنه المطران مظلوم ليس منفصلاً عن خط “البطريركية الجديدة” وهو أحد أركانها. فهي كشفت، وباكراً في باريس ثم في لبنان، موقفها المعروف (مسكين الرئيس الأسد) ولا داعي لتكراره. واستمرت مُتمسِّكة به على رغم اعتمادها سياسة “ضربة على الحافر واخرى على المسمار” التي يشتهر بها اللبنانيون، وسياسة تعميم الانتقاد على كل الأطراف مع الاستمرار في عملها داخل الوسط المسيحي لتعميم “خطِّها” الجديد. والأمثلة على ذلك كثيرة. ويمكن استشفاف هذا الأمر من موقفين إعلاميين على الأقل طالب فيهما “سيِّدها” الغرب بعدم إمداد ثوار سوريا بالسلاح، ولم يأت على ذكر الشرق الذي يمد نظامها بكل حاجته من السلاح، ربما رغبة منه في القضاء عليهم في سرعة.
في اختصار، لا ينطلق هذا الكلام من عداء للكنائس المسيحية التي جارى معظمها الكنيسة المارونية وبعض شعبها في تأييد نظام الأسد. فالمسيحيون، وأنا منهم، سعداء بديناميكية “سيِّدها” الجديد وشبابه وعلمه وذكائه وسعة اطلاعه وقدرته على التواصل مع الشباب ومع الخارج البعيد والقريب. لكنهم يريدونه مرجعية دينية ووطنية لا تستفيد من موقعها الكنسي الفائق الأهمية لتصبح الزعيم الأوحد للمسيحيين. وفي اختصار أيضاً يدعو المسيحيون كنائسهم إلى عدم استعداء الغالبية الإسلامية السنّية عليهم في لبنان والخارج، مع الاستمرار في محاولة حماية “الأقليات” ولكن بالحوار والإقناع وليس بالعنف. ويدعونهم إلى الانتباه إلى مسؤوليتهم عن أمر كهذا إذا حصل لا سمح الله، ويدعونهم إلى الصراحة مع الذات والآخر. فالـ1400 سنة من تعايش إسلامي – مسيحي التي أشار إليها رأس الكنيسة المارونية لم تكن كلها سمناً وعسلاً، والدليل على ذلك كم كان عدد المسيحيين وأماكن وجودهم وكم اصبح الآن؟
في النهاية مسيحيو لبنان، وأنا منهم، مع “البابا” فرنسيس الذي دعا الى حلّ المسألة السورية بالسياسة والمفاوضات. ذلك أنه “قديس” وهو على قيد الحياة بإيمانه وسلوكه الذي لا يشبهه سلوك “الأحبار” في كنيسته وخارجها سواء كانوا من العالم الثالث أو العالم الأول. وهذان الإيمان والسلوك يدفعان إلى الإيمان الفعلي بأن “الروح القدس” هو الذي اختاره لخلافة “بطرس” خلافاً للكثيرين. لكنه دعا إلى السلام لا القتل. والسلام لا يكون بين القتيل وقاتله أي بين نظام الأسد وغالبية شعبه، وبين “التكفيريين” وسنّة الاعتدال ومعهم المسيحيون والعلويون وغيرهم.

السابق
الضربة تصيب لبنان أولاً
التالي
التهمة أخطر من الضربة