حرب؟ أم إشتدّي يا أزمة تنفرجي

تتجه الأنظار مجدداً الى دمشق، وتحديداً الى احتمالات ضربة عسكرية أميركية ضدها على خلفية اتهامها باستخدام أسلحة كيماوية، وهو اتهام سبق أيّ تحقيق دولي معترف به، ولم يكلف نفسه، حسب المصادر القريبة من دمشق، فبركة أدلّة ووثائق تثبت انّ النظام السوري يقف وراءه على غرار الأدلّة والوثائق المفبركة التي جاء بها وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول الى مجلس الأمن الدولي قبيل الحرب على العراق، ليعترف بعد ذلك بأنها كانت مفبركة، ولكن هذا الاعتراف جاء بعد خراب البصرة ومقتل مئات الألوف من العراقيين.
في الحال السورية لا تفتقر واشنطن وحلفاؤها الى أدلة، بل هناك أدلة قدمتها موسكو الى مجلس الامن الدولي مفادها أنّ الصواريخ الكيماوية إنطلقت من مناطق خارج سيطرة النظام، وهو أمر يؤكد الروس انّ واشنطن تعرفه جيداً لأنها تملك من الاقمار الصناعية ما تملكه موسكو، ناهيك عما تملكه من عيون لها مبثوثة في كل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.

إتصال تهديد أم إنفراج؟

ولقد توقف المراقبون طويلاً عند الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره السوري وليد المعلم والذي أعلن السوريون أنهم سمحوا بموجبه لبعثة التفتيش الاممية بالدخول الى مسرح الجريمة الكيماوية في الغوطة الشرقية في ريف دمشق.

بعض المراقبين يرون في هذا الاتصال، وهو الاول من نوعه منذ بدء الازمة السورية، مؤشرات الى امكانية حصول انفراج في العلاقات بين واشنطن ودمشق تمهّد لنجاح مؤتمر “جنيف – 2” المتوقع عقده في نيويورك هذه المرة، وفي اطار اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة التي ستبدأ دورتها الشهر المقبل. ولا يستبعد هؤلاء المراقبون أن يكون الوزيران السوري والاميركي قد تحادثا في شأن هذا الاجتماع الذي سيحضره المعلم نفسه، كما هي عادته في سفره الى نيويورك كل عام للمشاركة في الجمعية العمومية الاممية.

مراقبون آخرون ابدوا رأياً مخالفاً، إذ إنهم اعتبروا هذه المكالمة الهاتفية قد حملت تهديداً مباشراً لدمشق، وإنها تشبه الى حدّ كبير المقابلة الشهيرة بين وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بايكر ووزير الخارجية العراقية السابق طارق عزيز قبيل اعلان الحرب الاميركية الاولى على العراق اوائل عام 1991 وكان الهدف المعلن لها هو تحرير الكويت من الغزو العراقي.

أوباما والغطاء الدولي

وفي هذا النقاش الدائر بين أصحاب هاتين النظريتين المتعاكستين تخرج من واشنطن اشارات كثيرة، بعضها يعلن انّ “البنتاغون” ينتظر من الرئيس باراك اوباما قراراً لتنفيذ واحد من خيارات عسكرية متعددة باتت امامه في شأن سوريا، فيما يحرص اوباما على التأكيد انه يحتاج الى غطاء دولي للقيام بأيّ عمل عسكري ضدّ سوريا، حتى كلمة الغطاء الدولي هذه باتت تخضع لتفسيرين متناقضين، أولهما يرى في الغطاء الدولي قراراً واضحاً لمجلس الامن لا يمكن صدوره من دون موافقة روسيا والصين عليه، وبالتالي فالحديث عن هذا الغطاء الدولي ليس سوى ذريعة يستخدمها أوباما للتملّص من التدخل العسكري المباشر، على رغم ما يواجهه من ضغوط داخلية وأوروبية وتركية، وحتى من بعض الفئات العربية، بمن فيها بعض المعارضة السورية الخارجية.

والتفسير الآخر يعتبر أن الغطاء الدولي للتدخل العسكري الأميركي يتوافر في حال نشوء تحالف دولي حول الحلف الاطلسي لتبرير هذا التدخل، وهو تحالف تبدي لندن وباريس وتركيا حماسة كبيرة له، الى درجة أنّ وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو قد استبق قيام هذا التحالف بإعلان انضمام بلاده اليه، خصوصاً انّ داود اوغلو يعتبر انّ بقاءه في موقعه بات على المحك، حيث تتسع دائرة المطالبين بإقالته، حتى من داخل الحزب الحاكم نفسه، وتحمِّله المسؤولية عن الانهيار في علاقات تركيا مع كل جيرانها، وهو انهيار لم ينعكس سياسياً وامنياً فقط، بل وصل الى الاقتصاد نفسه الذي كان ازدهاره خلال السنوات العشر الماضية نقطة القوة الرئيسية لحكم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والذي بدأت تهتزّ أركانه مع اهتزاز قيمة العملة التركية التي شهدت استقراراً لم تعرفه سابقاً.

وهذا الاهتزاز الاقتصادي والمالي يفسره كثيرون من الأتراك بأنه نتيجة طبيعية لـ”سياسة حمقاء” وتّرت العلاقات مع بغداد وطهران وموسكو في ضوء الموقف التركي مما يجري في سوريا، وصولاً الى توتير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي بزعامة المملكة العربية السعودية، وهو توتر له انعكاسات مباشرة على الاستثمارات الخليجية في تركيا.

الاميركيون والتدخل العسكري

والذين يستبعدون الخيار العسكري ضدّ دمشق يعزون ذلك الى شبه اجماع اميركي على رفض هذا الخيار، وهو ما كشفته استطلاعات رأي أُجريت أخيراً في الولايات المتحدة الاميركية تشير الى أنّ 9 في المئة فقط من الاميركيين يؤيدون التدخل العسكري الاميركي في سوريا، وانّ غالبية الاميركيين تعارضه وتعارض حتى الدعم العسكري للمعارضة السورية.

ولا يُخفى على المتابعين، حسب هؤلاء المراقبين، موقف جنرالات “البنتاغون” الرافض فكرة التورط العسكري في سوريا، وهم المشغولون في هذه الايام بترتيب “خروج آمن” للقوات الاميركية من افغانستان، وهذا الخروج الآمن يحتاج الى تعاون موسكو وطهران اللتين بات موقفهما واضحاً من أيّ تدخل عسكري غربي في سوريا.

وحسب المراقبين ايضاً، فإنهم يعتقدون انّ الاجتماع المنعقد في عمّان لرؤساء أركان الجيوش الاطلسية مع بعض رؤساء أركان الجيوش العربية سيكون مناسبة لعسكريّي واشنطن لكي ينتزعوا من زملائهم العسكريين الاطالسة قراراً يؤكد صعوبة التدخل العسكري في سوريا، ويذهبون الى بلادهم لاقناع رؤسائهم بصرف النظر عن هذا التدخل، فهم كقادة جيوش، الأكثر معرفة بحجم التكاليف البشرية والمادية لمثل هذه المغامرات.

السابق
بري: تم تأجيل مهرجان الصدر حفاظا على سلامة المشاركين
التالي
توقيف شخصين يروجان عملة مزورة